إلى جانبه ، ففعلت وصلّى صلاة العصر ، ثم قرىء بين يديه من كتاب المصابيح (١٢٥) ، وشوارق الأنوار للصاغاني (١٢٦) ، وطالعاه نائباه بما جرى لديهما من القضايا ، وتقدّم كبار المدينة للسلام عليه ، وكذلك عادتهم معه صباحا ومساء ثم سألني عن حالي وكيفية قدومي وسألني عن المغرب ومصر والشام والحجاز فأخبرته بذلك ، وأمر خدّامه فأنزلوني بدويرة صغيرة بالمدرسة (١٢٧).
وفي غد ذلك اليوم وصل إليه رسول ملك العراق السلطان أبي سعيد وهو ناصر الدين الدّرقندي (١٢٨) من كبار الأمراء خراساني الأصل فعند وصوله اليه نزع شاشيته عن رأسه وهم يسمّونها الكلا ، وقبّل رجل القاضي وقعد بين يديه ممسّكا أذن نفسه بيده ، وهكذا فعل أمراء التتر عند ملوكهم ، وكان هذا الأمير قد قدم في نحو خمسمائة فارس من مماليكه وخدامه وأصحابه ، ونزل خارج المدينة ودخل إلى القاضي في خمسة نفر ودخل مجلسه وحده منفردا تأدبا.
حكاية هي السبب في تعظيم هذا الشيخ وهي من الكرامات الباهرة (١٢٩)
كان ملك العراق السلطان محمد خذا بنده قد صحبه في حال كفره فقيه من الرّوافض الإمامية يسمى جمال الدين بن مطهر (١٣٠) ، فلما أسلم السلطان المذكور وأسلمت باسلامه
__________________
(١٢٥) القصد إلى كتاب (مصابيح السنّة) للمحدث الفقيه الحسين بن مسعود البغوي نسبة إلى بغا من قرى خراسان ، من كتبه أيضا شرح السنة ومعالم التنزيل والجمع بين الصحيحين ، أدركه أجله عام ٥١٠ ١١١٧.
(١٢٦) مشارق الأنوار ، وليس شوارق الأنوار ، من الكتب الجليلة التي ألفها رضى الدين الحسن بن محمد بن الحسن الصاغاني المولود في لاهور والمتوفّى ببغداد عام ٦٥٠ ١٢٥٢ ، وقد ألف (المشارق) برسم الخليفة المستنصر العباسي.
(١٢٧) عندما كان ابن بطوطة يتحدث عن" الأخية الفتيان ، الموجودين بجميع البلاد التركمانية الرومية والمرصودين لخدمة الغريب والاحتفاء بالوارد ، شبّههم في أفعالهم بأهل شيراز وإصفهان مؤكدا أن كرم هؤلاء أعظم وعطفهم أكثر ...
(١٢٨) لعل القصد إلى عماد الدين ناصر محمد الدّر قندي المتوفى سنة ٧٤٥ ١٣٤٥ فقد كان أميرا وسيدا كذك ... ويلاحظ مرة أخرى أنّ ابن بطوطة سجل هنا حدثا دوليا دبلوماسيا لم نجد صداه في المصادر التي تحدثت عن علاقات العراق بهذه الأقاليم ... وعن ابن بطوطة نقل زميلنا الراحل عباس العزّاوي في كتابه : (تاريخ العراق بين احتلالين) ، بغداد ١٩٣٦ ج II ، ٥١ وهناك أمير اخر درقندى : علي بن طالب كان حاكما للكوفة عام ٧٣٣ ـ ١٣٣٣ ، ص ٣٥ المصدر السابق ـ گيب ج II ص ٣٠١ تعليق ١٠٢.
(١٢٩) توجد لهذه الإفادات مراجع تؤكد ما وقع لمولانا مجد الدين إسماعيل مما يتعلق بنجاته من الكلاب الضّارية، وخاصة كتاب شد الإزار في حط الأوزار لمحيي الدين أبي القاسم جنيد شيرازي في شرحه لحياة مولانا مجد الدين إسماعيل. وفي الرواة من يبدل الكلاب بالأسود ...
(١٣٠) يعتبر جمال الدين الحسين أو الحسن بن يوسف ابن المطهر الحلّي من العلماء المتبحرين في علوم المعقول والمنقول ، وهو أحد تلامذة خواجة نصير الدين ، من كتبه (نهج الحق) و (كشف الغمّة) و (منهاج الكرامة) ... وكان يمتاز في بحوثه ومناقشاته بعدهم التعصب ، كانت وفاته في شهر المحرم سنة ٧٢٦ ١٣٢٥ ـ ٢٩ ابن حجر : الدرر ج ٢ ، صفحة ١٣٥ والصفحة ١٥٨ ـ ١٥٩.