لقد أقام على بغداد ناعيها |
|
فليبكها لخراب الدّهر باكيها! |
كانت على مائها والحرب موقدة |
|
والنّار تطفا حسنا في نواحيها |
ترجى لها عودة في الدّهر صالحة |
|
فالآن أضمر منها اليأس راجيها |
مثل العجوز التي ولّت شبيبتها |
|
وبان عنها جمال كان يحظيها!! |
وقد نظم الناس في مدحها وذكر محاسنها فأطنبوا ، ووجدوا مكان القول ذا سعة فاطالوا وأطابوا وفيها قال الإمام القاضي أبو محمد عبد الوهّاب بن علي بن نصر المالكي البغدادي (١٨٣) ، وأنشدنيه والدي ، رحمهالله ، مرّات
طيب الهواء ببغداد يشوّقني |
|
قربا إليها وان عاقت مقادير |
وكيف أرحل عنها اليوم اذ جمعت |
|
طيب الهوائين ممدود ومقصور |
وفيها يقول أيضا رحمهالله تعالى ورضي عنه :
سلام على بغداد في كلّ موطن |
|
وحقّ لها منّى السّلام المضاعف |
فو الله ما فارقتها عن قلى لها |
|
وانّي بشطّي جانبيها لعارف |
ولا كنّها ضاقت عليّ برحبها |
|
ولم تكن الأقدار فيها تساعف |
وكانت كخلّ كنت أهوى دنوّه |
|
وأخلاقه تنأى به وتخالف! |
وفيها يقول أيضا مغاضبا لها ، وأنشدنيه والدي رحمهالله غير ما مرّة :
بغداد دار لأهل المال واسعة |
|
وللصّعاليك دار الضّنك والضيق |
ظللت أمشي مضاعا في أزقّتها |
|
كأنّني مصحف في بيت زنديق (١٨٤)!! |
__________________
(١٨٣) هذا هو القاضي عبد الوهاب ، ولد ببغداد ٣٦٢ ٩٧٣ ... ورحل إلى الشام فاجتمع بأبي العلاء ، وتوجه إلى مصر فعلت شهرته وبها توفي عام ٤٢٢ ١٠٣١ ، له عدد من المؤلفات في الفقه ...
(١٨٤) اشتهر البيتان على ألسنة الناس ببعض تغيير : عوض واسعة طيبة ، وعوض الصعاليك : المفاليس ، وعوض أمشي مضاعا : حيران أمشي ... غير أن كل الروايات اتفقت على : " كأنني مصحف في بيت زنديق"!!