ونال من الرتبة ما لم ينله أحد ممن تقدمه.
وكان له سخاء ومروءة وحمية. ومدحه شعراء عصره وخلدوا مدائحه في دواوينهم ، فمنهم حسين الجزري وفتح الله ابن النحاس وحسين بن جاندار البقاعي ، وفيه يقول بعض شعراء حلب :
أبى الجود في الدنيا سواك لأنه |
|
تفرّع من جود وأنت أبو الجود |
وأضدادك الوادي لهم سال واستوت |
|
سفينة بحر العلم منك على الجودي |
وذكره البديعي في «ذكرى حبيب» وأثنى عليه كثيرا ، وقال في ترجمته :
دخل مرّة على بعض الوزراء العظام ، ومجلسه غاص بالخاص والعام ، بعد غضب يمنع لذة الجهود ، ومن ذا يقر على زئير الأسود ، فخاطبه بجرس جهوري ، ولفظ جوهري ، يزيل الإحن من القلوب ، وتغفر بمثله الذنوب ، بما نصه : نام أعرابي ليلة عن جملة ففقده ، فلما طلع القمر وجده ، فرفع إلى الله يده وقال : أشهد أنك أعليته وجعلت السماء بيته ، ثم نظر إلى القمر وقال : إن الله صوّرك ونوّرك وعلى البروج دوّرك ، فإذا شاء قدّرك وإذا شاء كوّرك ، فلا أعلم مزيدا أسأله لك إلا الدوام ، ولئن أهديت إلى قلبي سروره لقد أهدى الله إليك نوره ، فأنا ذلك الأعرابي ، والوزير ذلك القمر المضي ، لقد أعلى الله قدره وأنفذ أمره ، ونظر إليه وإلى الذين يحسدونه فجعله فوقهم وجعلهم دونه ، فلا أعلم مزيدا أدعو به إلا الدوام ، فالله يديم له ظلال النعمة ومجال القدرة ومساق الدولة.
ووقفت على تقريظ كتبه على مؤلف العلامة الطرابلسي الدمشقي الذي شرح به فرائض «ملتقى الأبحر» وهو : أمعنت النظر في هذا التحرير ، وأجلت الفكر فيما حواه من التصوير والتقرير ، فرأيته البحر المحيط إلا أنه ثجّاج ، والوبل الغزير خلا أنه موّاج ، وجزمت بأنه السحر الحلال ، والكمال الذي لا يحكيه في فنه كمال ، لا زالت شموس فوائد مؤلفه مشرقة ، ولا برحت أغصان فوائده مورقة ، ما زينت أقلام العلماء بوشي سطورها وجنات الطروس ، فأشرقت لذلك صدور الصدور إشراق الشموس.
وكانت وفاته غرة صفر سنة تسع وثلاثين وألف وقد ناهز التسعين ، وهو في نشاط أبناء العشرين. وقيل في تاريخ موته :
إن أبا الجود الذي فاق الورى |
|
وروّج العلم وساد سؤددا |