واستمر نحو خمسين سنة في الخلافة لا ينازعه منازع في راحة وافرة وصدقات متواترة تأتيه من الناس ، والكبير والصغير يقبلون يده ، وهو ملازم على الأوراد ويبذل القرى للواردين ، وكل من يرد عليه سقاه القهوة ، ومن يستحق الضيافة أضافه بصدر واسع وخلق كريم. ولكن كانوا في كل يوم وقت الضحوة الصغيرة يديرون الكأس * يأكلونه ويشربون القهوة عليه.
وكان يقول : الدهر مل من طول عمر ثلاثة : أحدهم أنا ، والثاني أبو الجود مفتي حلب ، والثالث شاه عباس. قال بعضهم : والرابع يوسف باشا ابن سيفا. وهذا الكلام محمول على طول عمر هذه الثلاثة وكثرة وقائعهم وأحوالهم بحيث مل الناس من ذكر أمورهم حتى سار الإملال إلى الدهر ، لكن كان أبو الجود فيه نفع لعباد الله تعالى.
ثم اشترى كتبا فيها المقبول الذي له ثمن فوقفها على المكان ، واشترى أراضي ووقفها على الأماكن ، واشترى بستانا ووقفه أيضا على الدراويش وكتب بذلك وقفية وجعل لها متوليا.
ولما مرض أوصى بالخلافة من بعده للدرويش أحمد الكلشني وأعطاه ختمه وأحضر الكشاف عنده وكتب له بذلك حجة. ولما مات أظهر الشيخ مصطفى القصيري ورقة بخط الشيخ أحمد أنه اتخذ الدرويش مصطفى الخليفة من بعده ، واشتد الخصام وبقي هذا يتولى الخلافة مدة ثم يذهب الآخر ويأتي بأمر سلطاني ليكون الخليفة ويعزل الآخر ، وهلم جرا ، واختل أمر ذلك المكان غاية الاختلال.
وكانت وفاته في سنة إحدى وأربعين وألف (١)
وقال أديب الشهباء السيد أحمد النقيب الآتي ذكره يرثيه.
ما الكون سوى صحيفة الأكدار |
|
خطّت لذوي العقول والأفكار |
كم موعظة تضمنت أسطرها |
|
إن أنت جهلتها فأين القاري |
وفي لفظ القاري إيهام التورية كما لا يخفى ، والله سبحانه وتعالى أعلم.
__________________
(*) في الأصل : يديرون الكلس.
(١) دفن في حجرة قريبا من باب مسجد التكية المذكورة قبالة مزار الشيخ أبي بكر. ا ه من كتاب «موارد أهل الصفا» للصلاح الكوراني ، وقدمنا ذلك في الكلام على هذا المكان في ترجمة الشيخ أبي بكر.