وولي مشيخة الشيوخ بحلب في الدولة الجركسية ولذا اشتهر فيها بشيخ الشيوخ ، ثم حصلت له الحظوة عند أكابر الدولة العثمانية بحلب من قضاتها وكثير من كفالها كقراجا باشا ومن بعده لما له من الشهامة والوجاهة ولطف المحاضرة واستحضار تواريخ الناس سوى محافيظه من تاريخ جده. وعني بتربية الناس عند الحكام ومساعدتهم لدى قصد إجراء الأحكام.
ولما توفي عمي الكمال الشافعي كان يكثر من ذكر أنه كان يقول له : بعدي وبعدك لا يبقى بحلب من يعرف تواريخ أهلها كما نعرفها.
وتولى في الدولة العثمانية فوق تدريس الظاهرية تدريس الصاحبية الشدادية ثم الصلاحية.
وكانت له الوجاهة والحشمة والأبهة والشيبة المنورة والملبس الحسن والرعاية للأنغام الحسنة في مفتتح مواعيده ومختتمها والعمامة العظمى جدا ، يحب النظافة ويميل إلى الجماع جدا مع كبر سنه ، وإلى المآكل الطيبة ويكثر اللهجة بذكرها. ولم يزل مدة عمره صحيح الجسد لم يوعك أصلا إلا مرة أو مرتين أو ثلاثا إلى أن كان طاعون سنة اثنتين وستين ، فاتفق أن صلى الجمعة ، فكان من عادته أن يصليها بدار القرآن العشائرية المشرف شباكها على الجامع الأموي بحلب ، فسقطت عمامته في الصلاة ، ثم طعن ثاني يوم ، ثم كانت وفاته مطعونا إلى رحمة الله تعالى.
واتفق له أن دفن له حفيدا مطعونا قبل وفاته بقليل فأخبرني ونحن معه بالقرب من قبره أنه كان يتمنى أن لو عاش قليلا ليأذن له في قراءة الحديث على كرسيه بالجامع الكبير ويجلس هو تحت كرسيه ترغيبا للناس فيه بناء على أنه كان حسن الصوت طري النغمة ، فلم يتم له ذلك ، وبكى عليه بكاء شديدا إلى أن أخذ في ذكر القبر وهوله ، وأنه لم يعدّ له شيئا سوى الإسلام.
وبالجملة فقد كان جمال المجالس (وحظوة المجالس) * حتى لم يخل عنه غالب المحافل ، إلى أن كان بدر جماله هو الآفل.
__________________
(*) ما بين قوسين ساقط في الأصل.