وشوارد يقتبس منها مشكاة الهدى والنور ، وهو الآن للأدب وأصوله ، وأنواعه وفصوله ، إمام أئمته ، ومالك أزمته ، ويروي غليل الأفهام سلسال تقريره ، وتحلي أجياد الأقلام عقود تحريره. انتهى.
(قلت) : وقد رأيت خبره مفصلا في بعض كتبه إلى السيد عبد الله الحجازي رحمهالله تعالى من تراجم الحلبيين. قال : ولد بحلب وبها نشأ ، وأخذ عن العلامة عمر العرضي وغيره ، وتأدب بإبراهيم بن المنلا وبرع ، ورحل إلى قسطنطينية وولي القضاء برهة ، ثم تقاعد عن رتبة القدس ، وولي نيابة القضاء بحلب. وكان له إحاطة تامة بأنواع الفنون. وقرأ عليه جماعة من مشاهير فضلاء حلب وبه انتفعوا. وألف حاشية على الدرر والغرر في الفقه وأجاد فيها جدا ، واطلعت أنا له على تحريرات كثيرة تدل على دقة نظره وغزارة فضله.
وأما شعره ونثره فإليهما النهاية في الحسن ، فمن شعره قوله من قصيدة :
سقى الله عيشا مر في زمن الصبا |
|
وحيّاه عني بالعبير نسيم |
ودهرا بقسطينية قد قطعته |
|
إذ السعد عبد لي بها وخديم |
بلاد هي الدنيا إذا ما قطنتها |
|
فوجه الأماني مسفر ووسيم |
وما هي إلا جنة الخلد بهجة |
|
وما غيرها إلا لظى وجحيم |
فكم في مغانيها قضيت لبانة |
|
وزالت عن القلب الكليم هموم |
وقرب أبي أيوب كم روضة إذا |
|
حللت بها يوما فلست تريم |
تقول إذ شاهدت عالي قصورها |
|
أهذي جنان زخرفت ونعيم |
جرى ماؤها كالسلسبيل فمثلها |
|
إذا ما تذكرت البقاع عديم |
كستها الغوادي حلة سندسية |
|
وأهدى شذاها للنفوس شميم |
وبالسفح سفح الطوبخانة أربع |
|
لها النسر في جوّ السماء نديم |
تلوح بها الغيد الصباح كأنما |
|
علوا وإشراقا تلوح نجوم |
يقابلها ذاك الخليج بصفحة |
|
كأن لها متن السماء خديم |
ترى السفن فيها جاريات كأنها |
|
جياد فمنها سابق ولطيم |
وعند الحصارين المنيعين جيرة |
|
حديث علاهم في الأنام قديم |
عجبت لأيامي بهم كيف لم تدم |
|
وهل دام شيء غيرها فتدوم |