والتقاطي الدر من مذاكرتها ، وما كان بيننا من المصافاة التي هي مصافاة الماء مع الراح ، وما يجري بيننا من المفاوضة التي هي في الحقيقة مفاوضة الورد مع التفاح. وعلى كل حال فلا عوض لنا عنها إلا ما تنقله الركبان من أخبار سلامتها ، وما تودعه في صدفة آذاننا من جواهر آثار عدالتها. لا جرم أنه كلما تعطرت مجالسنا بشيء من ذلك ، دعونا الله عزوجل فيما هنالك ، بأن يزيد باع عدلها امتدادا ، وشعاع فضلها سطوعا وازديادا ، وأن يبلغها أقصى ما تطمح إليه عين طامحة ، أو تجنح نحوه نفس جانحة. هذا والمتوقع من كرمها ، كما هو المألوف من شيمها ، أن لا تخرجنا من ضميرها المنير ، وأن تعدّنا في جريدة من يلوذ بمقامها الخطير. والله تعالى يبقي لنا تلك الذات سامية الركاب عالية القباب ، في رفعة دونها قاب العقاب.
وبالجملة فمحاسن هذا السيد كثيرة ، وأشعاره ومنشآته عزيرة ، فلنكتف بهذا المقدار.
وكانت وفاته في سنة ست وخمسين وألف وعمره ثلاث وخمسون سنة ، حتى إنه كان يقول في مرض موته : أحمد واقعة الحال. رحمهالله تعالى. ا ه.
وترجمه الشهاب في الريحانة فقال : سيد عجنت طينته بماء الوحي والنبوة ، وغرست نبعته في ساحة الفضل والفتوة ، له مناقب هي الوشي حسنا وبهجة (إذا نشرت كانت ممسّكة النشر) وغرائب رغائب في الكرم واضحة المحجة (يظل بها مستعبد النظم والنثر). اجتليت بحلب محياه ، فأكرمني بجوده ونداه ، ومدحته شكرا لما أولاه :
وكذا الهاشميّ مثلك لا |
|
يمدح إلا بها شميّ الكلام |
فاستعار ديواني واشتغل بمطالعته وانتخابه ، وفي أثناء ذلك دعوته فلم يجب ، ثم لاقيته فاعتذر بعد عتابه ، بأن اشتغاله بالديوان منع من الملاقاة ، فأنشدني هذه الأبيات :
وحقك لم أترك زيارة سيدي |
|
للوّ يعوق النفس عنه ولا ليت |
ولكن بديوان له قمت خادما |
|
وقد كان فكري قبل ذلك كالميت |
فأدهشني حسن به ظلت حائرا |
|
فأدخل في بيت وأخرج من بيت |