وكان قليل الحظ كثير السياحة ، لم يسعه مكان ولم يقر له قرار ، وكانت سياحته مقصورة على حلب ومصر ودائرة الشام. وحج وجاور بالحرمين سنتين.
ولم يزل شاكيا من دهره باكيا على سوء بخته. ورأيت له أشعارا كثيرة غالبها شكاية وهجو ، وأما غزله فقليل ، ومن أعذبه قوله من قصيدة مطلعها :
فيض المدامع نار وجدي ما طفا |
|
بل زدت منه تلهبا وتلهفا |
وجوى أذاب جوانحي وجوارحي |
|
وهوى على السلوان صال وألفا |
ومن النوى لي لوعة لو بعضها |
|
في يذبل أمسى رغاما أو عفا |
رق الصبا لصبابتي وبكى على |
|
حالي الحمام ولان لي قلب الصفا |
والسقم واصل مهجتي لفراق من |
|
أحببته لو عاد لي عاد الشفا |
من راحمي من مسعفي من مسعدي |
|
أفديك مالك مهجتي زر مدنفا |
يا من بطلعته وسحر جفونه |
|
بهر الغزالة والغزال الأوطفا |
بشمائل فوق الشمول لطافة |
|
منها ثملت وما شربت القرقفا |
وبورد خد فوق بانة قامة |
|
يحميه نرجس ناظر أن يقطفا |
وبراحة بين العقيق ولؤلؤ |
|
إسمح ودعني كأسها أن أرشفا |
أرفق بصب قد أصبت فؤاده |
|
ودع التجنب والتجني والجفا |
ونباكر الروض الأريض فقد حكى |
|
طيب الجنان نضارة وتزخرفا |
والمزن أضحكه ونضّر وجهه |
|
وكساه بردا بالزهور مفوّفا |
وقوله من قصيدة أخرى مستهلها :
أبى القلب إلا غراما ووجدا |
|
وطرفي إلا بكاء وسهدا |
فلم يبرح الصب تبريحه |
|
ولا الدمع راق ولم يطف وقدا |
فلو لا النوى ما ألفت البكا |
|
ولا كان بالسقم جسمي تردّى |
ولا بت أرعى نجوم الدجى |
|
ولا كان عني منامي تعدّى |
فأواه صبري مضى لم يعد |
|
وأما اشتياقي فلم يحص عدا |
ومالي معين سوى أدمعي |
|
وقلب لصد الهوى ما تصدّى |
فلو بالكواكب ما بي هوت |
|
وإلا على يذبل كان هدّا |
يذكّرني ساجعات الرياض |
|
حبيبا وربعا ربيعا وودّا |