بعد أن حج رجع من طريق الشام وتوجه إلى حلب وأقام بها في رفعة وصولة والناس يعظمونه ويحترمون ساحته.
واشتغل مدة بالإقراء فأقرأ التلويح وانكف عن أمور محذورة كان يرتكبها. وكنت إذ ذاك قدمت الشام فبلغني حسن معاملته للناس وانقياده للزمن ، فكتبت إليه قصيدة أولها :
أرى الندب من صافى الزمان المحاربا |
|
وأغبى الورى من بات للدهر عاتبا |
أتعتب من لا يعقل العتب والوفا |
|
ولا همه شيء فيخشى العواقبا |
وإن ضن لم يسمح بمثقال ذرة |
|
ولم يبق موهوبا ولم يبق واهبا |
ولا جنة تغنيك إن كان مانعا |
|
ولا منزل يؤوبك إن كان طالبا |
أحاول شكواه فألقى نوائبا |
|
تهوّن عندي منه تلك النوائبا |
ولن يسبق الأقدار من كان سابقا |
|
ولا يغلب الأيام من كان غالبا |
ومن صحب الدنيا ولو عمر ساعة |
|
رأى من صروف الدهر فيها عجائبا |
وقفر كيوم الحشر أو شقة النوى |
|
يضل القطا أعملت فيه النجائبا |
وليل كقلب السامريّ قطعته |
|
إلى أن حكى بالفجر أسود شائبا |
وما كنت أرضى بالنوى غير أنني |
|
جدير بأن لا أرتضي الذل صاحبا |
فنظمت من در المعاني قلائدا |
|
جعلت قوافيها النجوم الثواقبا |
ويممت أقصى الأرض في طلب العلا |
|
ولم أصطحب إلا القنا والقواضبا |
فلاقيت في الأسفار كل غريبة |
|
ومن يغترب يلق الأمور الغرائبا |
وخلفت من يرجو من الأهل أوبتي |
|
كما انتظر القوم العطاش السحائبا |
وكم قائل لا قرب الله داره |
|
ومن يتمنى لو بلغت المطالبا |
فعدت على رغم الفريقين سالما |
|
ولم أقض من حق الفضائل واجبا |
وحسبي وجود ابن الحجازيّ نائلا |
|
به لم أزل ألقى المنى والمآربا |
فتى قد جهلت العسر منذ علمته |
|
ولانت لي الأيام عطفا وجانبا |
وأصبح يلقاني العدو مسالما |
|
وقد كان يلقاني الصديق محاربا |
تخيم فوق الفرقدين مقامه |
|
ومد على أفق السماء مضاربا |
بعزم يرد الخطب والخطب مقبل |
|
ورأي وتدبير يرد الكتائبا |
وحزم يميز الحق من غير ريبة |
|
وحكم يذيب الشامخات الرواسيا |