وفي عبارة لأبي الربيع سليمان بن محمد الحوات الحسني العلمي الفاسي في هذا الإمام قال : هو إمام مشهور وهمام مشكور وبحر لا تكدره الدلاء (أهل الدلاء محل بالبربر قرب فاس فيه زاوية للسادات الدلائين البكريين) ، أنفق بضاعته في مدح المصطفى ، وأخرج من بحر المعجزات ما رسب من درر البلاغة أو طفا ، فعلا في الناس قدره ، وامتلأ بالأنوار صدره ، استولى عليه في السر والإعلان ، حبان من الإحسان والاستحسان ، أحسن له المحبوب بكشف الحجاب ، فغاب في استحسان الجمال إلى حد الإعجاب. كان نشأ ببلده حلب ، وفيها حلب من ثدي العلوم ما حلب ، ثم أزمع الرحلة عنها في طلب الزيادة ، مرفوع الذكر في مراقي السيادة ، حتى حل بدره بحضرة فاس ، والناس فيها حينئذ خير ناس ، فأعظم أهلها بعد الاختبار أمره ، وأحقروا دونه زيد الأدب وعمره ، وعرف علماؤها من حقيقته الفضل والخاصة ، وانتهى بينهم إلى مقام خاصة الخاصة ، وتلمذ له لأكابر ، وخوطب بولاية الكراسي والمنابر ، فأغنته الغيبة عن الظهور ، ومن لم يجعل الله نورا فما له من نور. كان رضياللهعنه شافعيا ، ولم يتحول قط مالكيا ، لأنه قدوة في ذلك المذهب ، وإليه المفزع في أحكامه والمهرب. وله مؤلفات في أغراض مختلفات أكثرها لم يكشف من مخدراته سواد ، ثم لم يكن بعد أن يبلغ فيه مداه تفتقت أكمام كلماتها عن أزهار الرقائق ، وانفلقت أنوار كلماتها عن شموس الحقائق. وله ديوان في الأمداح النبوية ، ومقامات فيها أيضا تعارض الحريرية ، كتب عليهما أكثر أئمة العصر في المشرق والمغرب ، وأوسعوا في الثناء عليه بما شاهدوا بما مداده المعجب ، وقد ذكر أكثرهم في كتابه «كشف اللثام عن عرائس نعم الله ونعم رسوله عليهالسلام». وبمطالعة هذا الكتاب ، يعرف قدر هذا الرجل عند أولي الألباب ، وفيه ذكر هذه الرؤيا ، حسب ما نقل عنه في الأسطر العليا (أي المتقدمة في الكتاب المنقول عنه هذه الترجمة) في ترجمة مرائيه الإلهية والنبوية ، الدالة على أعظم البشائر الدنيوية والأخروية ، وهي مما لا يحتمله هذا التقييد ، والله على كل شيء شهيد. توفي رحمهالله سنة عشرين ومائة وألف وقبره بمطرح الجنة خارج باب الفتوح ، وأنوار الاستجابة على أرجائه تلوح. ا ه.
والرؤيا المشار إليها هي قوله في كتابه «كشف اللثام» : رأيت رب العزة يعنى في المنام وهو يخاطبني خطابا حسنا ويعدني وعدا جميلا من الفضل والعطاء الجميل ، وذلك أظنه في سنة سبع وثمانين وألف ، فسمعت ذلك الخطاب العظيم بمعنى لا أقدر عن التعبير