الشيخ العالم العامل المحقق الكامل المتقن الخطيب بجامع الخسروية ، والمدرس بأموي حلب.
ولد بحلب في سنة ثمانين وألف ، وكان والده طباخا فأثرى حاله واقتنى من أنواع أواني النحاس شيئا كثيرا ، وكان يؤجرها إلى الناس في الأفراح واتخذها حرفة ، ثم ولده المترجم نشأ في حياته موفر الدواعي مرفه البال ، وكان ذكيا نجيبا ، فاشتغل بطلب العلم واكتساب الكمال ، فلازم الشيخ مصطفى الحفسر جاوي وأكثر عنه وانتفع به وعليه تخرج وبرع في الفقه وأخذه وسائر العلوم عنه.
وقرأ التفسير على المولى أحمد الكواكبي ، والحديث وفقه الحنفية والأصول على ولده أبي السعود الكواكبي ، وقرأ على الشيخ أحمد الشراباتي وعلى الشيخ سالم المكي وعلى غيرهم من علماء عصره وأكثر عن الواردين ، وبرع في المذهبين ، وكان سريع الاستحضار لأكثر المسائل.
واقتنى الكتب النفيسة النافعة كثيرا ، واعتنى بتصحيحها وضبطها لملازمته إقراءها. وكان يخبر عن نفسه أنه أكثر لياليه لا يضع جنبه على الأرض للنوم بل يتكىء في زاوية البيت ويضع الإحرام على ركبتيه والمصباح عند رأسه ويطالع ، فإذا استيقظ تناول الكتاب واشتغل بالمطالعة ، ويقول إن هذه الكيفية في المطالعة فائدتها كلية ، لأن الإنسان إذا نام عقب المطالعة وأعادها حين استيقاظه من النوم علق ذلك في ذهنه بحيث إنه لا يزول. وكان له تقرير بتحقيق وتدقيق من غير حشو ولا تلعثم ولا توقف ، وانتفع عليه خلائق كثير.
ولما انحلت خطابة الخسروية عن الشيخ عبد اللطيف الزوائدي وجهت على صاحب الترجمة ، وكان من الخطباء المحسنين.
وكان شديد الإنكار والتعصب على الدخان وشاربه حتى كاد أن يقول بحرمته ، وكان إذا حضر في مجالس من يحتشمونه لا يشربون أبدا ، وإذا شرب في مجلس أمسك أنفه بأصابعه وتأنف وقال : يا أخي اكفف أذاك عنا ، واستمر على ذلك إلى قبيل موته بنحو عامين حتى اعتراه حادر حار فعالجه فلم يفده شيئا ، فوصف له الدخان فتوقف برهة وزاد به الألم فشربه وترك الاعتراض. وكان معاصره الشيخ قاسم البكرجي مثله بل أشد تعصبا منه ، فحصل له قبل موته حادر ذهبت به عينه الواحدة ، فأمره الطبيب بشرب الدخان خوفا على عينه الثانية فشربه. وقد شاهدته في بلدتنا دمشق الشام وقع لبعض أحبابنا من