صدرت عن المصريين لتكون على مقتضى عرفهم ، فلا وجه لاستدلال الشيخ تاج الدين بكلا شقيه.
ثم إن الشيخ تاج الدين أفتى بحلب ودرس بجامعها الأعظم وأمّ به ، وتزوج ببنت الشرف يحيى ابن الحاضري وأسكنها بالقاعة الملاصقة لدار القرآن العشائرية المشهورة الآن بالحيشية وحظي بالجلوس بها عند شباكها في محل سجادة شيخنا الصوفي التقي أبي بكر الحيشي وبصلاة عند المخاديم عنده في يوم الجمعة ، حتى إن شيخنا المحقق المدقق النظار شهاب الدين أحمد الهندي خرج ذات جمعة من حجرته بالمدرسة الشرفية فصلى بالحيشية ، فسأل شيخنا عن قوله تعالى (لَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا)* بأنه يلزم من ظاهره أنه لو علم فيهم خيرا لتولوا ، فما وجه الآية؟ فأجابه بما هو منقول من أن لو في صدر الآية على بابها وفي آخرها على أسلوب لو في نحو : نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه ، وأن آخرها مستأنف عما قبله ، فليس المجموع قياسا منتجا ما ذكرت. فقنع بجوابه أو لم يفهمه. ثم بعث للشيخ عبارة البيضاوي التي غلط فيها الشيخ محيي الدين عبد القادر ابن سعيد وقد علمتها في ترجمته لعل شيخنا يغلط فيها أيضا ، فأبى الله إلا أن يكون مجيبا مصيبا. ثم كان ذات يوم بصحن الشرفية والشيخ به ، فزعم في كلام وقع في البين أن الكلام جمع كلمة ، فلم يفرق بين الكلام والكلم الذي هو الكلمة في أحد القولين ، وقال بما لم يقل به أحد ، فكتب شيخنا صورة يستفتي فيها على من يدعي أن الكلام جمع كلمة هل تعد دعواه جهلا أو لا ، ثم كتب بخطه : نعم تعد جهلا ، ثم طفيت ناره عنه.
ووقفت للشيخ تاج الدين على شرح المراح سماه «فتح الفتّاح بقوت الأرواح» وتوّجه بهذه العبارة : قال المفتقر إلى مالك يوم العرض المرتجي فيه سلامة العرض عبد الوهاب ابن إبراهيم العرضي. وهو شرح من نظره يعرفه.
ومما وقع له أنه قدم حلب صاحبنا الشيخ عبد الرحمن البتروني بأن حضر مجالس وعظه ولم يجد له عليه سبيلا ، فلما تحنف تغير عليه وانقطع عنه وصار يحول وجهه عنه. وكانت الخواطر تشكى إليه بشمالية الجامع الأعظم في الطرف الغربي منها ويجري هناك رفع الأصوات بالذكر ، فمنع من الذكر هناك قائلا : إن رفع الصوت يمنع طلبته القارئين عليه
__________________
(*) الأنفال : ٢٣