ولم تف به ، أما إنك لو صبرت معنا أعطيت ثلاثة أحوال : فقد أعطينا ، فقلت : وما الثلاثة؟ قال : طيّ الأرض ، والمشي على الماء ، والحجبة إذا أردنا ، واحتجب عنّي عقيب كلامه ، فقلت : بالذي أوصلك إلى ما قد رأيت إلّا ظهرت لي حتى أسألك عن مسألة ، فظهر لي وقال : سل يا أبا الحارث وأوجز ، فقلت : كيف لي بالرجوع إلى هذه الحالة؟ ترى إن رجعت قبلت؟ فقال : هيهات يا أبا الحارث بعد الخيانة لا تقبل الأمانة ، فكوى قلبي بكيّة لا تخرج من قلبي حتى ألقى الله جلّ وعزّ.
كتب إليّ أبو الحسن عبد الغافر بن إسماعيل بن عبد الغافر يذكر أن أبا بكر محمّد بن يحيى بن إبراهيم المزكّي أخبرهم حدّثنا أبو عبد الرّحمن السلمي قال : محمّد بن إسماعيل الفرغاني أبو بكر من مشايخ الدقّي وأقرانه ، مات سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة.
كتب إليّ أبو علي الحدّاد يخبرني عن أبي بكر محمّد بن عبد الله بن محمّد بن صالح ، أنبأنا أبو منصور المظفّر بن أحمد بن محمّد (١) ، أنبأنا أبو الفرج عبد الواحد بن بكر الورثاني (٢) قال (٣) : سمعت محمّد بن داود الدقّي (٤) يقول : سمعت أبا بكر محمّد بن إسماعيل الفرغاني يقول : كنت كثيرا ما أدخل على الدير الذي بجبل طور سيناء ، فدخلت إليه فأتاني مطرانهم بأحداث عليهم أثر التعبّد والاجتهاد ، فقال لي : يا أبا بكر هؤلاء قوم يأكلون في ثلاثة أيام أكلة واحدة ، فقلت له : حسن ، لو كان هذا عليّ ، ثم أتاني بأقوام كأنهم نشروا من القبور ، فقال لي : يا أبا بكر هؤلاء يأكل أحدهم من السبوع إلى السبوع أكلة ، فرأيت في كلامهم شبة الصولة على الإسلام ، أي فما في الإسلام من يفعل هذا ، فقلت لهم : كم صبر مسيحكم هذا؟ قالوا : ثلاثين يوما وكنت جالسا تحت قنطرة في وسط الدير فلم أزل جالسا أربعين يوما لم آكل ولم أشرب (٥) ، فخرج إليّ مطرانهم فقال : يا هذا ، قم اخرج ، فقد أفسدت قلوب كلّ [من](٦) في الدير ، فقلت : ما أبرح أو أتم ستين يوما ، فألحّوا عليّ فخرجت.
__________________
(١) بالأصل : «بن علي محمد». تصحيف ، والمثبت عن «ز» ، ود.
(٢) إعجامها مضطرب بالأصل ود ، و «ز» ، وتقرأ : الورياني ، تصحيف والمثبت والضبط عن الأنساب ، وهذه النسبة إلى ورثان قرية من قرى شيراز ، في ظن السمعاني ، ذكره وترجمه السمعاني.
(٣) الخبر من طريقه في النجوم الزاهرة ٣ / ٢٧٩ ـ ٢٨٠ وسير أعلام النبلاء ١٥ / ٢٩١.
(٤) في النجوم الزاهرة : الرقي ، تصحيف.
(٥) كذا ، وهذا بعيد أن يبقى الإنسان مدة أربعين يوما ممتنعا عن الطعام والشراب.
(٦) سقطت من الأصل ، وأضيفت عن «ز» ، ود.