الجميع وقال : قد شورطت على شيء ، وما هذا لي بحقّ ، وما آخذ غير ما شورطت عليه ، فعرّف الجواري الوزير ذلك ، فأدخله إليه وقال له : يا أبا جعفر سررت أمهات الأولاد في ولدهن ، فبررنك ، فغممتهن بردّك ذلك ، فقال له : ما أريد غير ما وافقتني عليه ، وهؤلاء عبيد ، والعبيد لا يملكون شيئا ، فعظم ذلك في نفسه ، وكان ربّما أهدى إليه بعض أصدقائه الشيء من المأكول ، فيقبله اتّباعا للسنّة ويكافئه لعظم مروءته أضعافا ، وربّما يجحف به فكان أصدقاؤه يجتنبون مهاداته.
قال الفرغاني (١) : وكتب إلي المراغي يذكر أن المكتفي قال للعباس بن الحسن : إنّي أريد أن أقف وقفا ، يجتمع أقاويل العلماء على صحته ويسلم من الخلاف ، فأحضر الطبري وأجلس في دار يسمع فيها المكتفي كلامه ، وخوطب في أمر الوقف ، فأملى عليهم كتابا لذلك على ما أراده الخليفة ، فلما فرغ وعزم على الانصراف أخرجت له جائزة حسنة ، فأبى أن يقبلها ، فحرص به صافي الحرمي وابن الحواري لأنهما كانا حاضرين المجلس وبينه وبين المكتفي ستر ، وعاتباه على ردّها ، فلم يكن فيه حيلة فقيل له من وصل إلى الموضع الذي وصلت إليه لم يحسن أن ينصرف إلّا بجائزة أو قضاء حاجة. فقال : أما قضاء حاجة فأنا أسأل ، فقيل له : قل ما تشاء ، فقال : يتقدم أمير المؤمنين إلى أصحاب الشّرط يمنع السّؤّال من دخول المقصورة يوم الجمعة إلى أن تنقضي الخطبة ، فتقدّم بذلك وعظم في نفوسهم.
قال الفرغاني : وأرسل إليه العباس بن الحسن قد أحببت أن أنظر في الفقه وسأله أن يعمل له مختصرا على مذهبه ، فعمل له كتاب «الخفيف» وأنفذه إليه ، فوجه إليه بألف دينار ، فردّها عليه ولم يقبلها ، فقيل له : تصدّق بها ، فلم يفعل ، وقال : أنتم أولى بأموالكم ، وأعرف بمن تصدّقون عليه (٢).
أخبرنا أبو القاسم العلوي ، وأبو الحسن الغسّاني ، قالا : حدّثنا [ـ و](٣) أبو منصور المقرئ ، أنبأنا أبو بكر الخطيب قال (٤) : وسمعت علي بن عبيد الله بن عبد الغفّار اللغوي
__________________
(١) سير أعلام النبلاء ١٤ / ٢٧٢ وتاريخ الإسلام (حوادث سنة ٣٠١ ـ ٣١٠) ص ٢٨٠ ـ ٢٨١.
(٢) تاريخ الإسلام ص ٢٨١ وسير أعلام النبلاء ١٤ / ٢٧٠.
(٣) زيادة عن «ز» ، ود ، لتقويم السند.
(٤) رواه أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد ٢ / ١٦٣ وسير أعلام النبلاء ١٤ / ٢٧٢ وتاريخ الإسلام (٣٠١ ـ ٣١٠) ص ٢٨١.