أقول له عند توداعه |
|
وكل بعبرته مبلس |
لئن قعدت عنك أجسامنا |
|
لقد سافرت معك الأنفس |
وقال : وقد أمر بالركوب لينحدر من سرّ من رأى :
سيكون الذي قضي |
|
سخط العبد أو رضي |
ليس هذا بدائم |
|
كل هذا سينقضي |
وذكر أبو الحسن محمّد بن أحمد بن القوّاس الورّاق أنّ أبا عيسى بن المتوكّل وعبد الله ، وحمزة ابني المعتز ، حملوا من سرّ من رأى فأدخلوا بغداد يوم الجمعة مستهل شعبان سنة تسع وسبعين ومائتين ، وكان سبب ذلك ما قرأت في كتاب عبيد الله بن أحمد بن أبي طاهر البغدادي : حدّثني عبد الله بن عبد الملك المعروف بالهدادي الشاعر قال : كان السبب في قتل أبي عيسى بن المتوكّل أنّ أبا عيسى كاتب أبا الجيش في أمر ضيعته ، وكان النهيكي وكيله في ضياعه بدمشق ، فتخلّف عن أبي عيسى من مالها ستة عشر ألف دينار ، فاستأذن أبا القاسم بن سليمان في مكاتبة أبي الجيش ليستعين به على النهيكي ، واستأذن المعتضد وهو إذ ذاك ولي العهد ، فأذن لأبي عيسى في مكاتبة أبي الجيش ، فاتصلت بهذا السبب بينهما المكاتبة ، وأهدى إلى أبي الجيش هدايا لها قيمة ، فلمّا علم النهيكي بمكاتبته أبا الجيش ، خاف أبا الجيش على نفسه ، وكتب إلى السلطان : إن أردتم دولتكم وخلافتكم فاستوثقوا من أبي عيسى بن المتوكّل ، فإنه قد كاتب أبا الجيش وقد مال إليه أهل مصر جميعا ، فوجّه المعتضد جني الصغير ، فأقام بسرّ من رأى شهرين قبل أن يحدث على أبي عيسى ما حدث ، فلما أن أفضت الخلافة إلى المعتضد وجّه إلى جني أن يحمل أبا عيسى إليه ، فوجّه بإنسان من المستأمنة ، يعرف بالشعراني ، في حمل أبي عيسى إلى بغداد ، وتقدّموا إليه في قتله في الطريق ، وأن يحمل رأسه إليهم ، قال الهدادي : وكنت قاعدا بين يدي أبي عيسى بعد صلاة الغداة ، ودخل الغلمان فقالوا : جني بالباب ، فقال لي : الحجزة (١) ، فقمت ، وأذن له ، فدخل إليه فقال : لأي شيء قصدتني؟ وما تريد؟ قال : تركب معي إلى دار إسحاق بن إبراهيم ، نبايع لأمير المؤمنين المعتضد ، فقال له : إنّي قد أمرت بإصلاح حرّاقة (٢) وقد فرشت ، وقد كتبت
__________________
(١) الحجزة : بالضم ، معقد الإزار ، ومن السراويل موضع التكة (القاموس المحيط).
(٢) الحراقة : الحراقة : سفن بالبصرة ، فيها مرامي نيران يرامى بها العدو في البحر ، (تاج العروس ط دار الفكر : حرق) ونقل الزبيدي عن الأساس : يقال ركبوا في حراقة : وهي سفينة خفيفة المرّ.