قال : لما مات محمّد بن الحجّاج جزع عليه (١) جزعا شديدا فقال : إذا غسلتموه فآذنوني به ، فأعلموه به ، فدخل البيت ، فنظر إليه ، فقال (٢) :
الآن لمّا كنت أكمل من مشى |
|
وافترّ (٣) نابك عن شباب القارح |
وتكاملت فيك المروءة كلّها |
|
وأعنت ذلك بالفعال الصالح؟! |
فقيل له : اتّق الله واسترجع ، فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، وقرأ : (الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ) الآية (٤).
قال : وأتاه موت محمّد بن يوسف وكان بينهما جمعة فقال :
حسبي حياة الله من كلّ ميّت |
|
وحسبي بقاء الله من كلّ هالك |
إذا ما لقيت الله ربي مسلما |
|
فإنّ نجاة النفس فيما هنالك |
وجلس للمعزّين يعزونه ، فوضع بين يديه مرآة وولّى الناس ظهره وقعد في مجلسه ، فكان ينظر ما يصنعون ، فدخل الفرزدق ، فلمّا نظر إلى فعل الحجّاج تبسّم ، فلمّا رأى الحجّاج ذلك منه قال : أتضحك وقد هلك المحمّدان؟ فأنشأ الفرزدق يقول (٥) :
لئن جزع الحجّاج ما من مصيبة |
|
تكون لمحزون (٦) أجلّ وأوجعا |
من المصطفى والمصطفى من خيارهم |
|
جناحيه (٧) لمّا فارقاه فودّعا |
أخ ، كان أغنى أيمن الأرض كلّها |
|
وأغنى (٨) ابنه أمر العراقين أجمعا |
جناحا عقاب (٩) فارقاه كلاهما |
|
ولو قطّعا (١٠) من غيره لتضعضعا |
سميّا نبيّ الله سماهما به |
|
أب لم يكن عند النوائب أخضعا |
وقال الفرزدق أيضا (١١) :
__________________
(١) قوله : «جزع عليه» استدرك على هامش د.
(٢) البيتان لزياد الأعجم راجع البيان ٤ / ٥٩ وذيل الأمالي ص ٧ والعقد الفريد ٣ / ٢٨٨.
(٣) افتر نابك أي بدا ولمع.
(٤) سورة البقرة ، الآية : ١٥٦.
(٥) الأبيات في ديوان الفرزدق ١ / ٣٩٧ (ط بيروت) ، والتعازي والمراثي ص ٢٠١ والكامل للمبرد ٢ / ٦٣٣ و ٣ / ١٣٨٨.
(٦) في الديوان : لئن صبر ..... تكون لمرزوء.
(٧) في الديوان :
من ثقاته |
|
خليليه إذ بانا جميعا فودعا. |
(٨) في الديوان : أجزى.
(٩) في الديوان : عتيق.
(١٠) في الديوان : كسرا.
(١١) ديوان الفرزدق ١ / ١٦١ والتعازي والمرائي ص ٢٠٣ والكامل للمبرد ٢ / ٦٣٣.