والحسن بن إسحاق يحفظونه عن الناس ، وكان هذا الحسن ـ أعني ابن بندوية ـ رئيس القصّابين ، وله صحبة للصوفية ، يرجع إلى دين وفضل وكان معروفا بالقوة ، فكان يمنع الناس عن التعلق بكفنه أو بمس السرير ، فدخل تحت السرير من القصّابين والخياطين على التقريب خمسين خمسين ، وستين ستين (١) ، يدخل تحته قوم ويخرج قوم ، كل شاطر قوي يدّعي الفتوة والقوة كلما تعب قوم خرجوا ودخل قوم آخرون ، وشدوا (٢) أيديهم بعضهم إلى بعض وحو الي هؤلاء فرسان الديلم والأتراك والخدم والحاشية بالعصي والدبابيس يمنعون الناس عنه وعن السرير ، وحدّثني بعض أصحابنا ممن كان يدّعي القوة قال : أردت أن أدخل بين هؤلاء لأحمل معهم السرير ، فلما أن حصلت كاد عظامي تتفتت (٣) فخرجت ولم أقدر أن أصل إلى السرير ، وحمل إلى المصلّى وصلّى عليه أبو بكر العلّاف ثم أبو علي الحلبي ، ثم صلّى عليه نقيب نقباء العلوية أبو إسحاق (٤) ثم أبو علي الخطيب ، ثم صلّى عليه غيرهم حتى صلّى عليه نحو من مائة مرة ، واجتمع في جنازته اليهود والنصارى والمجوس ، وصلّي عليه ودفن في التربة في أقل من ساعتين زمانيتين ، فتعجب الناس منه وما شككنا أنه لا يدفن ساعات النهار كلها ، وسمعت جماعة الموثوقة بقولهم [يقولون](٥) جميع ما ذكرت من خبر وفاته ، وذكروا كلهم أنه مات ليلة الثلاثاء الثالث والعشرين من شهر رمضان سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة ، رحمة الله عليه وعلى روحه الطاهرة الزكية.
وسمعت الشيخ يقول : وقد سأله بعض الناس كم يعد الشيخ من سنّه؟ فقال : خمس وتسعون ، وعاش بعد ما سمعت منه هذا نحو العشر سنين (٦) ، هذا فيما سمعت منه.
وحدّثني أميروية قال : سمعت [أبا](٧) القاسم عبد القهّار بن محمّد المعروف بالصفّار لما توفي الشيخ يقول : كان للشيخ مائة وأربع سنين ، فقيل له : ومن أين لك؟ قال : دخلت يوما داره ورأيت مكتوبا على عتبة باب بيت في داره بخط الشيخ تاريخ مولده ، فحسبت (٨) ، وإذا هو مائة وأربع سنين (٩).
__________________
(١) في «ز» : خمسين وخمسين ، وستين وستين.
(٢) في «ز» : وشددوا.
(٣) في «ز» : وكان عظامي فتتت.
(٤) من قوله : العلاف .. إلى هنا سقط من «ز».
(٥) سقطت من الأصل ود ، واستدركت عن «ز».
(٦) كذا بالأصل ود ، وفي «ز» : العشرين سنة.
(٧) في د ، و «ز» : فإذا.
(٨) سقطت من الأصل ، واستدركت عن د ، و «ز».
(٩) عقب الذهبي في سير أعلام النبلاء على تاريخ وفاته قال : والأصح أنه عاش خمسا وتسعين سنة.