أبو منصور محمّد بن الحسين بن أحمد بن الهيثم المقومي ، أنبأنا أبو الحسن عبد الجبّار بن أحمد ، أنبأنا أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن يوسف الأصبهاني ، ثنا عبد الله بن محمّد بن النعمان ، ثنا بشر ابن حجر السامي ، ثنا أبو المقدام هشام بن زياد ، عن محمّد بن كعب القرظي قال (١) :
عهدت عمر بن عبد العزيز وهو أمير علينا بالمدينة ، وهو شاب ممتلئ الجسم ، حسن البضعة ، فلمّا استخلف أرسل إليّ وأنا بخراسان فأتيته بخناصرة ، فدخلت عليه فرأيته قد تغيّر حاله ونحل جسمه فجعلت أنظر إليه لا أكاد أصرف بصري عنه ، فقال : إنّك لتنظر إليّ نظرا ما كنت تنظره إليّ من قبل يا بن كعب ، قال : قلت : لعجبي ، قال : وما أعجبك؟ قلت : لما حال من لونك ، ونفى (٢) من شعرك ، ونحل من جسمك ، فقال : كيف لو رأيتني يا بن كعب بعد ثالثة في قبري ، حيث تقع حدقتاي على وجهي ، ويسيل منخراي وفمي صديدا ودودا؟ كنت لي أشد نكرة ، أعد عليّ الحديث الذي كنت حدثتنيه عن ابن عبّاس قال : قلت : حدّثنا ابن عبّاس يرفعه إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنّ لكل شيء شرفا وإن أشرف المجالس ما استقبل به القبلة ، وإنّما تجالسون بالأمانة فلا تصلّوا خلف النائم والمتحدث ، واقتلوا الحيّة والعقرب ، وإن كنتم في صلاتكم ، ولا تستروا الجدر بالثياب ، ومن نظر في كتاب أخيه بغير إذن أخيه فكأنما نظر في النار ، ومن أحبّ أن يكون أكرم الناس فليتّق الله ، ومن أحبّ أن يكون أقوى الناس فليتوكّل على الله ، ومن أحبّ أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد الله عزوجل أوثق منه بما في يده (٣) ، ألا أنبئكم بشراركم؟» قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : «من نزل وحده ومنع رفده وجلد عبده ، أفلا أنبئكم بشر من هذا؟» قالوا : بلى يا رسول الله قال : «من يبغض الناس ويبغضونه ، أفلا أنبئكم بشر من هذا؟» قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : «من لا يقيل عثرة ، ولا يقبل معذرة ، ولا يغفر ذنبا ، أفلا أنبئكم بشر من هذا؟» قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : «من لا يرجى خيره ، ولا يؤمن شرّه ، إن عيسى بن مريم قام في قومه فقال : يا بني إسرائيل لا تكلموا بالحكمة عند الجهّال فتظلموها ، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم ، ولا تظالموا ، ولا تكافئوا (٤) ظالما فيبطل فضلكم عند ربّكم ، يا بني إسرائيل إنّما الأمر ثلاثة : أمر
__________________
(١) راجع الخبر في سيرة عمر بن عبد العزيز لابن الجوزي باختلاف الرواية ص ٣١ ـ ٣٢ ، وسيرة عمر لابن عبد الحكم ص ٥٢ ـ ٥٣.
(٢) بدون إعجام بالأصل ، وفي «ز» والمختصر : «بقي» والمثبت عن السيرتين. ومعنى نفى هنا : ثار وذهب وشعث وتساقط.
(٣) في المختصر : يديه.
(٤) في سيرة ابن عبد الحكم : ولا تجاوروا.