استخلاف المساح والأدلّاء ومن يقلد التعديل من أصحاب ابن المدبر ، فدعا هؤلاء القوم إلى اليمين ، فتلكّأ بعضهم وقصد المتظلمون الأسباب التي كانوا وقعوا عليها وما وقعت فيه المسامحة ، وما وقعت عليه المصانعة وغير ذلك ، فسأل أبو محمّد الحسن بن مخلد أحمد بن محمّد بن المدبّر عمّا تظلموا منه ونسبوه إليه ، فقال : قد علمت في أمر التعديل بما بلغه مجهودي وما قصرت فيما أمكنني من اختبار العمال والمساح وغيرهم ، وأزحت علتهم في الأرزاق ، فقال له الحسن بن مخلد قد صدقت ، ولكن الفساد قد وقع وظهر في العقود ، ووقعت السلوك في جميعها فقال له ابن المدبر : إذا كانت السلوك قد وقعت عندك والفساد قد ظهر فأعد المساحة فقال له الحسن بن مخلد : فإذا أعدنا المساحة وجب عليك يا أبا الحسن ردّ ما ارتزقته وأصحابك وأنفقته ، فقال له ابن المدبر : لم أظن أنك بلغت من الصناعة والتقدم في الأحكام فيها إلى ما قد بلغت ، فقال له الحسن بن مخلد : دع عنك هذا القول الفارغ فليس هو بما نحن فيه من شيء فقد علم كل من في هذا المجلس أن هذا القول منك استراحة إلى دفع ما تظلم القوم منه ، والواجب أن تعاد المساحة بأقوام ثقات تلزمك أرزاقهم إلى أن يصح عقد مال البلد ، وينقطع التظلم ولا يلحق أمير المؤمنين إثم فيما يجتنى له مما قد أحله الله له ، فإن الأمر متى ما ترك على هذا لا يزال أهل البلد يتظلمون على الأيام. ويتقاعدون بأداء ما عليهم ويلزمهم من الخراج الصحيح.
قال أبو عبد الله بن حوي : فرأيت والله أبا الحسن ابن المدبر ، وأبا الفضل نجاح بن سلمة وقد انقطعا في يده فبرزت من جملة الناس ، وقلت : عندي قول يرضى به ، ويمشي أمورهم ، ويتم العقد ، فقالوا : هات ما عندك فقلت : أقرب ما يمشي به هذا الأمر ، تناظر القوم على ما يتظلمون منه ، ويحصى مبلغه ، ويستماح أمير المؤمنين لهم ببعضه ، ويوضع ذلك من مال العقد ، فرضيت الجماعة بذلك ، وأنهى ما قلته إلى أمير المؤمنين. فاستصوبه (١) ووقع عنده أحسن موقع وسرّ (٢) عبيد الله بن يحيى بما جرى على ابن المدبر في نقصه له والنجاح ، ووقع ذلك عند ابن المدبر أعظم موقع ، وانقطع عنه التظلم.
قال علي بن الفتح : ولما قدمت العراق. حدثني بعض مشايخ الكتاب بخبر هذا المجلس عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن حفص ، وذكر أنه كان حاضرا له ، قال ابن
__________________
(١) رسمها مضطرب بالأصل ، والمثبت عن «ز».
(٢) في «ز» : وسدر.