رفيق لي ، فلما سار بنا المركب هدأت الريح ، فطلبوا مرسى فقرّبوا المركب من الساحل ، وكان إلى جنبي شاب حسن الوجه ، فخرج من المركب إلى الساحل ، فصعد إلى شط البحر ، فدخل بين أشجار (١) هناك ثم رجع فدخل في المركب ، فلما غابت الشمس قال لي ولصاحبي : إنّي ميت السّاعة ولي إليكما حاجة ، قلنا : وما هي؟ قال : إذا أنا متّ فكفّنوني بما في هذه الرزمة وهذه الثياب التي عليّ ومخلاتي ، إذا دخلتم مدينة صور فأوّل من يلقاكم فيقول لكم : هاتم الأمانة فادفعوها إليه ، فلما صلينا المغرب حرّكنا الرجل فإذا هو قد مات ، فحملناه إلى الشط ، وأخذنا في غسله ففتحت الرزمة التي فيها الكفن فإذا فيها ثوبان أخضران مكتوبان بالذهب ، وثوب أبيض فيه صرّة فيها شيء كأنه الكافور ورائحته المسك ، فغسلناه وكفنّاه في ذلك الكفن ، وحنّطناه بما كان في الصرّة من الطيب ، وصلّينا عليه ، ودفناه ـ رحمهالله ـ فلمّا صرنا إلى صور استقبلنا غلام أمرد حسن الوجه ، عليه ثوب شرب (٢) على رأسه منديل دبيقي (٣) ، فسلّم علينا وقال : هاتم الأمانة ، فقلنا : نعم ، ولكن تدخل معنا إلى هذا المسجد نسألك عن مسألة ، قال : نعم ، فدخل معنا ، فقلنا له : أخبرنا من الميت؟ ومن أنت؟ ومن أين كان له ذلك الكفن؟ فقال : أمّا الميّت فكان من البدلاء الأربعين ، وأنا بديله ، وأمّا الكفن فإنه جاءه به الخضر عليهالسلام ، وعرّفه بأنه ميّت ، ثم لبس الثياب التي كانت معنا ، ودفع لنا الكسوة التي كانت عليه ، فقال : بيعوها ، وتصدّقوا بثمنها إنّ لم تحتاجوا إليه ، فأخذناها ودخلنا إلى صور ، فدفعنا السراويل وفيه التكة إلى المنادي يبيعه ، فلم نشعر إلّا والمنادي قد جاء ومعه جماعة ، فأخذونا إلى دار كبيرة ، فإذا فيها جماعة ، وإذا شيخ يبكي ، وصراخ النساء في الدار ، فلمّا صرنا إلى الشيخ سألناه عن السراويل والتكة ، فحدّثناه الحديث ، فخرّ لله ساجدا ، ثم رفع رأسه فقال : الحمد لله الذي أخرج من صلبي مثله ، ثم صاح بأمّه وقال لنا : حدّثوها ، فحدّثناها الحديث ، فقال لها الشيخ : احمدي الله الذي رزقنا مثله ، فلما كان بعد سنين (٤) كنت واقفا بعرفات فإذا أنا بشاب حسن الوجه عليه مطرف خزّ ، فسلّم عليّ ، وقال : تعرفني؟ فقلت : لا ، قال : أنا صاحب الأمانة الصوري ، ثم ودّعني وقال : لو لا أن أصحابي ينتظروني لأقمت معك ، ثم مضى وتركني ، فإذا أنا بشيخ خلفي من أهل المغرب كنت أعرفه
__________________
(١) بالأصل : الشجار ، والمثبت عن «ز».
(٢) أشرب اللون : أشبعه (القاموس).
(٣) الدبيقي نسبة إلى بلد يجلب منها الثياب الدبيقية (القاموس).
(٤) كذا بالأصل و «ز» ، وفي المختصر : سنتين.