قاض ، ما أحبّ أن يكثروا فيملّوني ، ولا يطيلون فيهجروني ، قالت : وفّقك الله ، قال : فبت بأنعم ليلة باتها عروس ، ثم الليلة الأخرى أنعم منها ، فليس من ليلة إلّا وأنا أنعم من صاحبتها ، حتى إذا كان بعد سبع قالت لأمّها : يا أمتاه انصرفي إلى منزلك ولا تأتيني إلى حول قابل في هذا الأوان ، ولا تتركيني من الهدايا ، قال : فكان الرسول يجيء بالأطباق الملاء ، ويأخذ الفارغ شبه الطير الخاطف ، حتى إذا كان رأس الحول أتتها أمّها وقد ولدت غلاما.
قال الشعبي : وكان شريح رجلا غيورا ، فإذا بامرأة تأمر وتنهى في بيته ، فقال : يا زينب من هذه المرأة؟ قالت له : هذه ختنتك فلانة أمّي ، قال شريح : سبحان الله ، قد والله آن لك ؛ قالت العجوز : يا أبا أمية كيف ترى زوجتك؟ قال : قلت : بالخير ، قالت لي : يا أبا أميّة إن الرجال لم يبتلوا بشيء مثل الخرقة الورهاء ، ولا تكون المرأة عند زوجها بأسوإ حال منها في حاليه ، إذا حظيت عند زوجها أو ولدت له غلاما ، فإن رابك من أهلك ريب فالسوط ، قال لها : قد والله كفيت الرياضة ، وأحسنت الأدب ، أنا أشهد أنها ابنتك ، قالت له العجوز : يا أبا أمية أخوها بالباب يطلب الإذن عليها ، تأذن له؟ قال : أي والله فليدخل ، فلمّا أن دخل إذا بالفتى الذي كان يخاصم الشيخ ، قال : وإنّك لهو؟ قال الفتى : نعم ، قال : أما إني لو تمنيت الجنّة كان أفضل ، تذكر يوم كنت تخاصم الشيخ؟ قال : أذكره ، قال : فإنّي تمنيت أن يكون أخت لك عندي ، قال : يا قاضي ، فإنّ الذي أعطاك مناك قادر أن يعطيكها في الآخرة ، قال : ثم إنّه ضمّ الصبي ونحله ذهبا ، قال : أرشد الله أمركم ، ووفّقكم لحظّكم ، ومضى.
قال شريح : فلبثت معي عشرين سنة وما عبت (١) عليها في تلك السنين إلّا يوما واحدا كنت لها ظالما أيضا ، قالوا : وكيف؟ قال : كنت إمام قومي ، وصلّيت ركعتي الفجر ، وسمعت الإقامة ، فبادرت فأبصرت عقربا ، فكرهت أن أضربها فتنضح (٢) عليّ منها ، فأكفيت عليها الإناء ثم قلت لها : يا زينب لا تعجلي بتحريك الإناء حتى أقبل ، فأقبلت ، فإذا هي تلوّى (٣) ، قلت لها : ما لك؟ قالت : ضربتني العقرب ، قال : أولم ننهك (٤)؟ قالت : هكذا من خالف ، لي في ذا عظة وعبرة ، قال : فلو رأيتني يا شعبي وأنا أمغث (٥) إصبعها بالماء والملح وأقرأ
__________________
(١) كذا بالأصل و «ز» ، وفي المختصر : «بكتت» وفي ترجمة شريح : غضبت.
(٢) رسمها وإعجامها مضطربان ، والمثبت عن «ز».
(٣) بالأصل : «بكوي» وفي «ز» : «بكوتى» والمثبت عن المختصر.
(٤) في «ز» : أنهك.
(٥) أمغث : أمرس.