رحلته هذه طلب الحديث ، وإنّما كان شأنه الزهد وطلب العبادة ، ولو سمع في رحلته هذه لكان أرفع أهل وقته درجة ، وأعلاهم إسنادا ، وكانت رحلته هذه [قبل](١) رحلة بقي بن مخلد ، ورحل رحلة ثانية ، فسمع فيها من جماعة كثيرة من البغداديين ، والمكيين ، والشاميين ، والمصريين ، والقرويين ، وعدة الرجال الذين سمع منهم في هذه الأمصار مائة وخمسة وستون رجلا (٢) ، وبمحمّد بن وضّاح ، وبقي بن مخلد صارت الأندلس دار حديث ، وكان محمّد عالما بالحديث ، بصيرا بطرقه ، متكلّما على علله ، كثير الحكاية عن العباد ، ورعا زاهدا ، فقيرا ، متعففا ، صابرا على الأسماع ، محتسبا في نشر علمه ، سمع منه الناس كثيرا ، ونفع الله به أهل الأندلس.
قال أحمد ـ يعني : ابن محمّد بن عبد البر : ـ كان أحمد بن خالد لا يقدّم على ابن وضّاح أحدا ممن أدرك بالأندلس وكان يعظمه جدا ، ويصف فضله وعقله ، وورعه ، غير أنه كان ينكر عليه كثرة رده في كثير من الأحاديث ، وكان ابن وضّاح كثيرا ما يقول : ليس هذا من كلام النبي صلىاللهعليهوسلم في شيء هو ثابت من كلامه ، وله خطأ كثير محفوظ عنه ، وأشياء كان يغلط فيها ويصحفها ، وكان لا علم عنده بالفقه ، ولا بالعربية.
أنبأنا أبو عبد الله محمّد بن علي بن أبي العلاء وغيره ، قالوا : أنا أبو القاسم أحمد بن أبي الوليد سليمان بن خلف الباجي قال : ابن وضّاح مشهور ، رحل في طلب العلم.
أنبأنا أبو محمّد بن حمزة بن العبّاس ، وأبو الفضل أحمد بن محمّد.
وحدّثني أبو بكر محمّد بن شجاع ، أنا أحمد بن الفضل ، أنا أبو عبد الله بن مندة ، أنا أبو سعيد بن يونس قال :
محمّد بن وضّاح بن بزيع مولى عبد الرّحمن بن معاوية بن هشام الأموي ، أندلسي ، معروف ، مشهور ، حدّث عن يحيى بن يحيى الأندلسي ، توفي في سنة ست وثمانين ومائتين ، وذكر أبو الخطاب العلاء بن عبد الوهّاب بن أحمد بن حزم بن أبي المغيرة أنه مات سنة سبع وثمانين.
وقال القاضي أبو الوليد بن الفرضي (٣) :
__________________
(١) زيادة عن تاريخ علماء الأندلس للإيضاح.
(٢) في تاريخ علماء الأندلس : خمس وسبعين ومائة رجلا.
(٣) تاريخ علماء الأندلس ص ٢ / ١٧.