طيب هذه الليلة وصفاء الجو فيها ، وحسن القمر في دجلة ، فقلت : يا أمير المؤمنين طيّب الله عيشك ، وأعزّ دولتك ، وكبت عدوك ، ثم اندفعت أغنيه لما أعرف من سوء خلقه ، فقال لي : يا عمّ ، هل لك فيمن عليك يضرب؟ فقلت : ما أكره ذلك ، فأحضر جارية تسمى صعب ، فتطيرت من اسمها للحال التي كان عليها ، فقال لها : غنّي ، فكان أول ما غنّت (١) :
كليب لعمري كان أكثر ناصرا |
|
وأيسر جرما (٢) منك ضرّج بالدم |
فاقشعر منه ، واقشعررت ، فقال لها : ويحك غنّي غيره ، فاندفعت تغني (٣) :
هم قتلوه كي يكونوا مكانه |
|
كما غدرت يوما بكسر مرازبه |
بني هاشم ردّوا سلاح ابن أختكم |
|
فلا تنهبوه لا تحلّ مناهبه |
بني هاشم إن لا تردّوا فإننا |
|
سواء علينا قاتلاه وسالبه |
بني هاشم كيف الهوادة بيننا |
|
وعند فلان سيفه ونجائبه |
قال أبو العباس : وروى ابن الأعرابي :
تظافر فيه قاتلان وسالب |
|
سواء علينا قاتلاه وسالبه |
فاندفعت تغنّي ، فقال لها : ويحك إنّما أحضرتك لأسرّ بك ، فقد زدتيني غمّا وهمّا ، فاندفعت تغنّي (٤) :
أما ورب السكون والحرك |
|
إن المنايا سريعة الدرك |
ما اختلف الليل والنهار ولا |
|
دارت نجوم السماء في الفلك |
إلّا بنقل النعيم من ملك |
|
قد انقضى ملكه إلى ملك |
وملك ذي العرش دائم أبدا |
|
ليس بفان ولا بمشترك |
فقال لها : يا مشئومة ، أما تحسنين غير هذا؟ فقالت : والله يا سيدي ما أطلب إلّا مسرتك ، ولكن لساني ما يجري عليه غير هذا.
فقال لها : ويحك أبيني ، فاندفعت تغني (٥) :
__________________
(١) البيت للنابغة الجعدي كما في تاريخ الخلفاء.
(٢) في تاريخ الخلفاء : ذنبا.
(٣) البيت الأول في مروج الذهب ، وقد ذكر في تاريخ الخلفاء أنها غنت بأبيات غيرها.
(٤) لأبي العتاهية ديوانه ص ٣١٦ (ط. صادر) وفيه الثاني والثالث ، والبيت الأول في مروج الذهب بدون نسبة ، والأبيات في تاريخ الخلفاء بدون نسبة ص ٣٥٧ ـ ٣٥٨.
(٥) من ثلاثة أبيات في تاريخ الخلفاء ص ٣٥٧.