أبكي فراقهم عيني وأرّقها |
|
إن التفرق للأحباب بكّاء |
ما زال يعدو عليهم ريب دهرهم |
|
حتى تفانوا وريب الدهر عداء |
فقال لها : يا مشئومة ، أبيني ، فغنت :
هذا مقام مطرد |
|
هدمت منازله ودوره |
قال : فرماها بعمود كان بين يديه ، فوقع على قدح بلّور كان محمد معجبا به ، وكان يسميه باسمه محمدا لاستحسانه إياه ، فانكسر ، ونهضت الجارية ، فانصرفت ، فقال لي : يا عم ، فنيت الأيام وانقضت المدة ، فإذا هاتف يهتف من وراء دجلة : (قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ)(١) ، فقال : سمعت يا عم ، فقلت : يا سيدي ما سمعت شيئا ، ثم قمت فجلست في بعض الحجر ، فعاد صوت الهاتف (قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ) فما خرجت الجمعة حتى قتل محمد.
أخبرنا أبو غالب بن البنّا ، أنا محمّد بن أحمد بن محمّد ، أنا عبيد الله بن عثمان بن يحيى ، أنا إسماعيل بن علي الخطبي قال :
وكانت البيعة ببغداد لأبي عبد الله محمّد الأمين ، ويقال : كنيته أبو موسى ، أمير المؤمنين بن هارون ، وأمّه زبيدة أم جعفر بنت جعفر الأكبر بن أبي جعفر المنصور ، ومولده في شوال سنة سبعين (٢) ومائة ، أدركت أمه خلافته وكانت لها آثار جميلة في طريق مكة ، وبمكة ، وبقيت بعده ، وكان الرشيد عقد له العهد في أول خلافته ، ثم عقده بعده للمأمون ، عقد له في سنة خمس وسبعين ومائة ، وعقد للمأمون في سنة ثلاث وثمانين ومائة بعد ما عقد لمحمّد بثمان سنين ، فكانت خلافة محمّد الأمين منذ ورد الخبر عليه وهو ببغداد بوفاة هارون الرشيد ، وسلّم عليه بالخلافة إلى يوم قتل ببغداد على يدي طاهر بن الحسين أربع سنين وسبعة أشهر وأحد عشر يوما ، ومنذ يوم توفي الرشيد إلى يوم وصل الخبر إلى الأمين اثنا عشر يوما ، فصفا الأمر لمحمّد الأمين سنتين وأشهرا ، وكانت الفتنة والحرب بينه وبين المأمون سنتين وخمسة أشهر أول ذلك عند تسيير محمّد الجيوش مع علي بن عيسى بن ماهان من بغداد إلى خراسان لحرب المأمون عند فساد الأمر بينه وبينه ، وخلعه إيّاه من العهد الذي كان له بعد (٣) ، وتوجيه المأمون بطاهر بن الحسين في الجيش لتلقي علي بن عيسى ومحاربته ، فوصل علي بن
__________________
(١) سورة يوسف ، الآية : ٤١.
(٢) تحرفت بالأصل ود إلى : تسعين.
(٣) انظر خبر الخلاف بين الأمين والمأمون في تاريخ الطبري ٨ / ٣٧٤ وما بعدها ، ومروج الذهب ٣ / ٤٧٥ وما بعدها.