جماعة منهم شيخ من بني بقيلة ، فقال لهم : أيّ أمير أميركم؟ قال الشيخ : خير أمير [غير](١) إن الخمر غلت منذ ولينا ، قال : وكيف ذاك؟ قال الشيخ : أخذ ألف دن في شهر. قال الحجاج : قاتله الله ، ما أمكره (٢) من شيخ لجاد ما تخلص إلى ما يريد قال : ومالك ساكت لا يتكلم ، فأدخل عليه ملحان بن قيس الراسبي ، وكان شيخا كبيرا ، قد شهد مشاهد الحرورية فبعث إليه من البصرة ، فقال له الحجاج : أملحان؟ قال : نعم ملحان ، قال : أحمد الله الذي خصّني بقتلك وأراق دمك على يدي ، قال : فضحك ملحان ، وقال : والله ما رأيت رجلا كاليوم أبعد من كلّ خير ، ولا أقرب من كلّ قبيح ، والله يا حجّاج لو عرفت أنّ لك ربا وخفت عذابا ورجوت ثوابا ما اجترأت على الله هذه الجراءة ، دونك دمي فأرقه ، فالحمد لله الذي أكرمني بهوانك ، عليك لعنة الله وعلى من ولّاك ، فاستشاط الحجاج وغضب ، وقال : اضرب عنقه ، فضربت عنقه ، فتدهده رأسه ، حتى كاد يصيب مالك بن أسماء. قال : ثم سكن الحجاج قليلا ، ثم قال لمالك : تكلم تكلم ، أما لك عذر؟ قبل الله عذرك. فقال مالك : أصلح الله الأمير ، إنّ لي ولك مثلا ، قال الحجاج : ما هو قبح الله أمثالكم يا أهل العراق ، هات ، قال : زعموا أنّ أسدا وذئبا وثعلبا اصطحبوا ، فخرجوا يتصيّدون ، فصادوا حمارا وظبيا وأرنبا ، فقال الأسد للذئب : يا أبا جعدة أقسم بيننا صيدنا قال : الأمر أبين من ذلك ، الحمار لك والأرنب لأبي معاوية والظبي لي ، قال : فخبطه الأسد فأندر رأسه ، ثم أقبل على الثعلب وقال : قاتله الله ما أجهله بالقسمة ، هات أنت ، قال الثعلب : يا أبا الحارث الأمر أوضح من ذلك ، الحمار لغدائك ، والظبي لعشائك ، وتخلّل بالأرنب فيما بين ذلك ، قال الأسد : ويحك ما أقضاك ، من علّمك هذه القضية؟ قال : رأس الذئب النادر بين عيني ، ولكن رأس ملحان أبطل حجتي أصلحك الله ، قال : أخرجوه عنّي قبحه الله وقبّح أمثاله. قال العاصم بن الحدثان : وملحان الذي يقول :
وأبيض مخبات إذا الليل جنّه |
|
رعى حذر النار النجوم الطوالعا |
إذا استقبل (٣) الأقوام يوما رأيته |
|
حذار عقاب الله لله ضارعا |
__________________
(١) الزيادة عن الجليس الصالح.
(٢) الأصل : يكره ، والمثبت عن الجليس الصالح.
(٣) في الجليس الصالح :
إذا استثقل الأقوم نوما رأيته |
|
حذارا عقاب الله لله ضارعا |