عن أشعارنا وأبشارنا وأموالنا ، فأمر به فضرب ثلاثمائة سوط ، ثم دعا بقية أصحابه ، فسألهم عنه ، فلما رأوا ما أصاب الشيخ رفعوا عليه كل شيء ، فقال الحجاج ما تقول يا مالك فيما يقول هؤلاء؟ قال : أصلح الله الأمير مثلي ومثلك ومثل هؤلاء ومثل المضروب مثل أسد كان يخرج إلى الصيد فصحبه ذئب وثعلب ، فخرجوا يتصيّدون ، فاصطادوا حمار وحش ، وتيسا ، وأرنبا ، فقال الأسد للذئب : من يكون القاضي ويقسم هذا بيننا؟ قال : أما الحمار فلك يا أبا الحارث ، والتيس لي ، والأرنب للثعلب ، فضربه الأسد ضربة وضع رأسه بين يديه ، ثم قال للثعلب : من يقسم هذا بينا؟ قال : أنت أصلحك الله ، قال الأسد : لا بل أنت ، أنا الأمير وأنت القاضي ؛ قال الثعلب : الحمار لك تتغدى به ، والأرنب لك تتفكّه به ما بينك وبين الليل ، والتيس لك تتعشى به. قال الأسد : ويحك ـ يا أبا الحصين ـ ما أعدلك ، من علّمك هذا القضاء؟ قال : علمنيه الرأس الذي بين يديك ، ولكن الشيخ المضروب هو الذي علّم هؤلاء حتى قالوا ما سمعت ، فضحك الحجاج ، ووصل المضروب ، وخلّى سبيل العامل.
أخبرنا أبو العزّ السلمي إذنا ومناولة وقرأ عليّ إسناده ، أنا محمّد بن الحسين ، أنا المعافى بن زكريا القاضي (١) ، نا الحسين بن القاسم الكوكبي ، نا ابن أبي سعد (٢) ، حدّثني أبو جعفر الضبي ، قال : قال عاصم بن الحدثان :
حدّثني من شهد الحجاج وهو يعاتب مالك بن أسماء ، وكان استعمله على الحيرة وطسوجها (٣) ، فشكاه أهل الحيرة فبعث إليه فقال : يا عدو الله استعملتك وشرّفتك وأردت [أن](٤) ألحقك بعلية الرجال فأفسدت بعثك (٥) وأشمتّ بأختك ضرائرها ، وفضحت نفسك ، وأقبلت على الباطل ، وما لا يحبّ الله من الشرب وقول الشعر ، والاهتتار (٦) به وأقبلت تغنّي وتقول :
حبّذا ليلتي بتل بونا |
|
حيث نسقى شرابنا ونغنّى |
بشرب الكأس ثمت الكاس حتى |
|
يحسب الجاهلون أنّا جننا |
إنا لأخرجن جنونك من رأسك ، يا حرسي أدخل من بالباب من أهل الحيرة ، فدخلت
__________________
(١) الخبر بطوله رواه المعافى بن زكريا الجريري في الجليس الصالح الكافي ٢ / ١٥٩ وما بعدها.
(٢) الجليس الصالح : ابن أبي سعد.
(٣) الطسوج : الناحية. فارسي معرب.
(٤) زيادة عن الجليس الصالح.
(٥) في الجليس الصالح : فأفسدت نعمتك.
(٦) في الجليس الصالح : والانتشار به.