ولا والله أكفى لهم بالواحد الباقي من أنفسكم منكم أهل البيت ، فأعجب عبد الملك كلامه ، فاستعاده ، وفضّله.
وكان الحجاج لا يستعمل مالكا لإدمانه الشراب واستهتاره به ، فكتب عبد الملك إلى الحجاج : إنّك أوفدت إليّ رجل أهل العراق ، فولّه وأكرمه.
قرأت على أبي الفتح نصر الله بن محمّد ، عن نصر بن إبراهيم ، عن أبي الحسن بن السمسار ، أنا محمّد بن أحمد بن عثمان الشاهد ، أنا محمّد بن جعفر العسكري ، نا أبو الفضل العباس بن الفضل الربعي ، نا محمّد بن عبيد الله العيني ، قال :
كان مالك بن أسماء بن خارجة الفزاري عاملا للحجّاج على الحيرة ، وكان صهرا له ، فبلغه عنه شيء فعزله فلما ورد عليه قال : أنت القائل (١) :
حبّذا ليلتي بحيث نسقى |
|
قهوة من سراتنا ونغنّى (٢) |
حيث دارت بنا الزّجاجة حتى |
|
يحسب الجاهلون أنّا جننّا |
فمررنا بنسوة عطرات |
|
وسماع وقرقف فنزلنا |
وقد مات للحجاج ابن ، وأخ لمالك ، فقال مالك : بل أنا القائل (٣) :
ربما قد لقيت أمس كئيبا |
|
أقطع الليل عبرة ونحيبا |
أيها المشفق الملح حذارا |
|
إن للموت طالبا ورقيبا |
فضل ما بين ذي الغنى وأخيه |
|
أن يعار الغنى ثوبا قشينا |
قال : فرقّ الحجاج لهذا الشعر حتى دمعت عيناه ، ثم أمر بحبسه وأداء ما عليه ، وبعث إلى أهل عمله : أن ارفعوا عليه كل شيء.
فقال بعضهم لبعض : هذا صهر الأمير (٤) ، ويغضب عليه اليوم ويرضى عنه غدا لا تتعرضوا له.
فلما دخلوا على الحجّاج ، دخل عليه شيخ منهم ، فسأله ، فقال : ما ولينا عامل أعف
__________________
(١) الأبيات في الشعر والشعراء ص ٤٩٢.
(٢) روايته في الشعر والشعراء :
حبذا ليلتي بتلّ دبونا |
|
إذ نسقى شرابنا ونغنّى. |
(٣) البيتان الأول والثاني في سير الأعلام ٤ / ٣٥٧.
(٤) كان الحجاج بن يوسف قد تزوج أخت مالك ، هند بنت أسماء بن خارجة.