الموصلي ، نا أبي قال : سمعت أبا تمام حبيب بن أوس الطّائيّ يقول :
وقفت على باب مالك بن طوق الرحبي أشهرا فلم أصل إليه ، ولم يعلم بمكاني ، فلما أردت الانصراف قلت للحاجب : أتأذن لي عليه أم أنصرف؟ فقال : أما الإذن فلا سبيل إليه ، قلت : فإيصال رقعة؟ قال : ولا يمكن هذا ، ولكن هو خارج اليوم إلى بستانه ، فاكتب الرقعة وارم بها في موضع أرانيه الحاجب ، فكتبت (١) :
بعمري لئن حجبتني العبي |
|
د عنك فلن تحجب القافية |
سأرمي بها من وراء الجدا |
|
ر شنعاء تأتيك بالداهية |
تصمّ السميع وتعمي البصي |
|
ر ومن بعدها تسأل العافية |
فكتبت بها ، ورميت في المكان الذي أرانيه ، فوقعت بين يديه ، فأخذها ونظر فيها وقال : عليّ بصاحب الرقعة ، فخرج الخدم ، فقالوا : من صاحب الرقعة؟ قلت : أنا ، فأدخلت عليه ، فقال لي : أنت صاحب الرقعة؟ فقلت : نعم ، فاستنشدها ، فأنشدته ، فلما بلغت : ومن بعدها تسأل العافية ، قال : لا ، بل نسأل العافية من قبلها ، ثم قال : حاجتك ، فأنشأت أقول (٢) :
ما ذا أقول إذا انصرفت وقيل لي |
|
ما ذا أصبت من الجواد المفضل |
إن قلت : أغناني ، كذبت ، وإن أقل |
|
ضنّ الجواد بما له لم يجمل |
فاختر لنفسك ما أقول فإنني |
|
لا بد أخبرهم وإن لم أسأل |
فقال : إذا والله لا أختار إلّا أحسنها ، كم أقمت ببابي؟ قلت : أربعة أشهر ، قال : تعطى بعدد أيامه ألوفا ، فقبضت مائة وعشرين ألف درهم.
أنبأنا أبو الفرج غيث بن علي ـ ونقلته من خطه ـ أنا أبو منصور عبد المحسن بن محمّد ابن علي البغدادي ، أخبرني أبو القاسم خلف بن أحمد الحرقي ، أنا أبو علي صالح بن إبراهيم ابن رشدين ، حدّثني أبو عيسى العروضي ، حدّثني أبو الغوث بن أبي عبادة البحتري.
أن أبا تمام حبيب بن أوس حدّثه أنه حضر مجلس مالك بن طوق وقد عرضت عليه خيل له ، فيها برذون حسن أعجب أبا تمام ، فسأله أن يحمله عليه ، فأراد مالك أن يولع به ،
__________________
(١) لم أجد الأبيات في ديوانه ط بيروت.
(٢) الأبيات ليست في ديوانه.