خرج ناس في غزاة فيهم محمّد بن المنكدر في الصائفة ، قال : بينما هم يسيرون في الساقة قال رجل من القوم : أشتهي جبنا طريا (١) ، قال محمّد بن المنكدر : فاستطعمه الله عزوجل ، فإن الله قادر على أن يطعمكموه ، فدعا القوم ، فلم يسيروا إلّا شيئا حتى وجدوا مكتلا مخيطا كأنما أتي به من السيالة أو الروحاء ، فإذا هو جبن رطب ، قال بعض القوم : لو كان لهذا عسل ، فقال : الذي أطعمكموه قادر على أن يطعمكم العسل ، فاستطعموه يطعمكم العسل ، فدعوا الله ، فساروا قليلا فوجدوا فاقرة (٢) عسل على الطريق ، فنزلوا فأكلوا الجبن والعسل ثم ركبوا.
أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، وأبو الحسن بن عبد السّلام ، قالا : أنا أبو محمّد الصريفيني ، أنا أبو القاسم بن حبابة ، أنا أبو القاسم البغوي ، نا عباس بن محمّد ، نا شبابة ، نا عبد العزيز الماجشون ، عن محمّد بن المنكدر قال :
كان رجل بالمدينة يقال له عمران ، وكان مسرفا على نفسه ، فلما مات أتي بجنازته تفرق الناس عنه وثبتت مكاني ، فكرهت أن يعلم الله مني أنّي أيست له من رحمته.
أخبرنا أبو منصور عبد الخالق (٣) ، وأبو سعيد طاهر ابنا زاهر بن طاهر ، قالا : أنا عبيد الله بن أحمد بن حسكويه ، وإسماعيل بن عثمان بن عمر الإبريسمي ، والفضل بن عبد الواحد ابن عبد الصّمد ، قالوا : أنا محمّد (٤) بن موسى بن عبد الله الصفّار ، نا ابن أبي الدنيا ، حدّثني سويد بن سعيد ، عن خالد بن عبد الله الرومي قال :
استودع محمّد بن المنكدر وديعة ، فاحتاج إليها ، فأنفقها ، ثم جاء صاحبها يطلبها ، فقام يصلي ويدعو ، فكان من دعائه : يا سادّ السماء بالهواء ، ويا كابس الأرض على الماء ، ويا واحد قبل كل أحد يكون ، أسألك أن تؤدي عني أمانتي ، فإذا هاتف يقول : هذه (٥) فأدها من أمانتك واقصر الخطبة ، فإنك لن تراني.
[قال ابن عساكر :](٦) كذا قال الرومي ، وإنما هو اليماني.
__________________
(١) في المعرفة والتاريخ : رطبا.
(٢) في المعرفة والتاريخ : «قاقرة عسل» وفي سير الأعلام : فاقرة.
(٣) ترجمته في سير أعلام النبلاء ٢٠ / ٢٥٤.
(٤) في د : «أنا محمد بن موسى ، نا محمد بن عبد الله الصفار» تصحيف ، راجع ترجمته في سير أعلام النبلاء ١٨ / ٣٨٢.
(٥) بالأصل : «خذه فأدها» والمثبت : «خذ هذه ...» عن د.
(٦) زيادة منا للإيضاح.