عن النساء ، وقال الحوفي : (مِنْ دُونِ النِّساءِ) متعلّق بشهوة و (بَلْ) هنا للخروج من قصة إلى قصة تنبىء بأنهم متجاوزو الحد في الاعتداء ، وقيل إضراب عن تقريرهم وتوبيخهم والإنكار أو عن الإخبار عنهم بهذه المعصية الشنيعة إلى الحكم عليهم بالحال التي تنشأ عنها القبائح وتدعو إلى اتّباع الشهوات وهي الإسراف وهو الزيادة المفسدة لما كانت عادتهم الإسراف أسرفوا حتى في باب قضاء الشهوة وتجاوزوا المعتاد إلى غيره ونحوه (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ) (١) ، وقيل إضراب عن محذوف تقديره ما عدلتم بل أنتم ، وقال الكرماني بل ردّ لجواب زعموا أن يكون لهم عذر أي لا عذر لكم ولا حجّة (بَلْ أَنْتُمْ) وجاء هنا (مُسْرِفُونَ) باسم الفاعل ليدلّ على الثبوت ولموافقة ما سبق من رؤوس الآي في ختمها بالأسماء وجاء في النمل (تَجْهَلُونَ) (٢) بالمضارع لتجدد الجهل فيهم ولموافقة ما سبق من رؤوس الآي في ختمها بالأفعال.
(وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ) الضمير في (أَخْرِجُوهُمْ) عائد على لوط ومن آمن به ولما تأخر نزول هذه السورة عن سورة النمل أضمر ما فسره الظاهر في النمل من قوله (أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ) (٣) وآل لوط ابنتاه وهما رغواء وريفاء ومن تبعه من المؤمنين ، وقيل : لم يكن معه إلا ابنتاه كما قال تعالى : (فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (٤) وقال ابن عطية : والضمير عائد على آل لوط وأهله وإن كان لم يجر لهم ذكر فإن المعنى يقتضيهم ، وقرأ الحسن (جَوابَ) بالرفع انتهى وهنا جاء العطف بالواو والمراد بها أحد محاملها الثلاث من التعقيب المعني في النمل في قوله (تَجْهَلُونَ) فما وفي العنكبوت (وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ) (٥) فما وكان التعقيب مبالغة في الرد حيث لم يمهلوا في الجواب زمانا بل أعجلوه بالجواب سرعة وعدم البراءة بما يجاوبون به ولم يطابق الجواب قوله لأنه لما أنكر عليهم الفاحشة وعظم أمرها ونسبهم إلى الإسراف بادروا بشيء لا تعلّق له بكلامه وهو الأمر بالإخراج ونظيره جواب قوم إبراهيم بأن قالوا (حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ) (٦) حتى قبح عليهم بقوله (أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) (٧) فأتوا بجواب لا يطابق كلامه والقرية هي سدوم سميت باسم
__________________
(١) سورة الشعراء : ٢٦ / ١٦٦.
(٢) سورة النمل : ٢٧ / ٥٥.
(٣) سورة النمل : ٢٧ / ٥٦.
(٤) سورة الذاريات : ٥١ / ٣٦.
(٥) سورة العنكبوت : ٢٩ / ٢٩.
(٦) سورة الأنبياء : ٢١ / ٦٨.
(٧) سورة الأنبياء : ٢١ / ٦٧.