وقال ابن عطية : وغنيت بالمكان إنما يقال في الإقامة التي هي مقترنة بتنعم وعيش رخي هذا الذي استقريت من الأشعار التي ذكرت العرب فيها هذه اللفظة وأنشد على ذلك عدّة أبيات ثم قال وأما قول الشاعر :
غنينا زمانا بالتصعلك والغنى |
|
فكلّا سقانا بكأسيهما الدهر |
فمعناه استغنينا ورضينا مع أنّ هذه اللفظة ليست مقترنة بمكان انتهى ، وقال ابن عباس : كأن لم يعمروا ، وقال قتادة : كأن لم ينعموا ، وقال الأخفش : كأن لم يعيشوا ، وقال أيضا قتادة وابن زيد ومقاتل : كأن لم يكونوا ، وقال الزجاج : كأن لم ينزلوا ، وقال ابن قتيبة : كأن لم يقيموا و (الَّذِينَ) مبتدأ والجملة التشبيهية خبره ، قال الزمخشري : وفي هذا الابتداء معنى الاختصاص كأنه قيل (الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً) المخصوصون بأن أهلكوا واستؤصلوا كأن لم يقيموا في دارهم لأنّ الذين اتبعوا شعيبا قد أنجاهم الله تعالى انتهى ، وجوّز أبو البقاء أن يكون الخبر (الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً) كانوا هم الخاسرين و (كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا) حال من الضمير في (كَذَّبُوا) وجوّز أيضا أن يكون (الَّذِينَ كَذَّبُوا) صفة لقول الذين كفروا من قومه وأن يكون بدلا منه وعلى هذين الوجهين يكون (كَأَنْ) حالا انتهى ، وهذه أوجه متكلفة والظاهر أنها جمل مستقلة لا تعلق بما قبلها من جهة الإعراب.
(الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ) هذا أيضا مبتدأ وخبره ، وقال الزمخشري : وفيه معنى الاختصاص أي هم المخصوصون بالخسران العظيم دون اتباعه فإنهم هم الرابحون وفي هذا الاستئناف لهذا الابتداء وهذا التكرير مبالغة في ردّ مقالة الملأ لأشياعهم وتسفيه لرأيهم واستهزاء بنصحهم لقومهم واستعظام لما جرى عليهم انتهى ، وهاتان الجملتان منبئتان عن ما فعل الله بهم في مقالتهم قالوا (لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ) فجاء الإخبار بإخراجهم بالهلاك وأي إخراج أعظم من إخراجهم وقالوا : (لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ) فحكم تعالى عليهم هم بالخسران وأجاز أبو البقاء في إعراب (الَّذِينَ) هنا أن يكون بدلا من الضمير في (يَغْنَوْا) أو منصوبا بإضمار أعني والابتداء الذي ذكرناه أقوى وأجزل.
(فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ) تقدّم تفسير نظيره في قصة صالح عليهالسلام.
(فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ) أي فكيف أحزن على من لا يستحق أن يحزن عليه ونبّه على العلة التي لا تبعث على الحزن وهي الكفر إذ هو أعظم ما يعادى به المؤمن إذ هما