الفعل إلى الضمير لأن الجملة المعطوفة تكرير لقوله (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَوَأَمِنَ) وتأكيد لمضمون ذلك فناسب إعادة الجملة مصحوبة بالفاء و (مَكْرَ) مصدر أضيف إلى الفاعل وهو استعارة لأخذه العبد من حيث لا يشعر ، قال ابن عطية : و (مَكْرَ اللهِ) هي إضافة مخلوق إلى الخالق كما تقول ناقة الله وبيت الله والمراد فعل معاقب به مكر الكفرة وأضيف إلى الله لما كان عقوبة الذنب فإن العرب تسمي العقوبة على أي جهة كانت باسم الذنب الذي وقعت عليه العقوبة وهذا نص في قوله (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ) (١) انتهى ، وقال عطية العوفي : (مَكْرَ اللهِ) عذابه وجزاؤه على مكرهم ، وقيل مكره استدراجه بالنعمة والصحة وأخذه على غرّة وكرّر المكر مضافا إلى الله تحقيقا لوقوع جزاء المكر بهم.
(أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ) قال ابن عباس ومجاهد وابن زيد (يَهْدِ) يبين وهذا كقوله (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ) (٢) أي بينّا لهم طريق الهدى والفاعل بيهد يحتمل وجوها ، أحدها أن يعود على الله ويؤيد قراءة من قرأ (يَهْدِ) بالنون ، والثاني أن يكون ضميرا عائدا على ما يفهم من سياق الكلام السابق أي (أَوَلَمْ يَهْدِ) ما جرى للأمم السالفة أهل القرى وغيرهم وعلى هذين الوجهين يكون أن لو نشاء وما بعده في موضع المفعول بيهد أي أو لم يبيّن الله أو ما سبق من قصص القرى ومآل أمرهم للوارثين إصابتنا إياهم بذنوبهم لو شئنا ذلك أي علمهم بإصابتنا أو قدرتنا على إصابتنا إياهم ، والمعنى أنكم مذنبون لهم وقد علمتم ما حلّ بهم أفما تحذرون أن يحلّ بكم ما حل بهم فذلك ليس بممتنع علينا لو شئنا ، والوجه الثالث أن يكون الفاعل بيهد قوله (أَنْ لَوْ نَشاءُ) فينسبك المصدر من جواب (لَوْ) والتقدير أو لم نبين ونوضح للوارثين مآلهم وعاقبتهم إصابتنا إياهم بذنوبهم لو شئنا ذلك أي علمهم بإصابتنا أو قدرتنا على إصابتنا إياهم والمعنى على التقديرين إذا كانت (أَنْ) مفعولة و (أَنْ) هنا هي المخففة من الثقيلة لأن الهداية فيها معنى العلم واسمها ضمير الشأن محذوف والخبر الجملة المصدرية بلو و (نَشاءُ) في معنى شئنا لا أن لو التي هي ما كان سيقع لوقوع غيره إذا جاء بعدها المضارع صرفت معناه إلى المضي ومفعول (نَشاءُ) محذوف دلّ عليه جواب (لَوْ) والجواب (أَصَبْناهُمْ) ولم يأت باللام وإن كان الفعل مثتبا إذ حذفها جائز فيصحّ كقوله (لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً) (٣) والأكثر الإتيان باللام كقوله (لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً) (٤)
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ٥٤.
(٢) سورة فصلت : ٤١ / ١٧.
(٣) سورة الواقعة : ٥٦ / ٧٠.
(٤) سورة الواقعة : ٥٦ / ٦٥.