للذين نبقيهم في الأرض بعد إهلاكنا من كان قبلهم فيها أن نهلكهم بعدهم وهو معنى قوله (أَنْ لَوْ نَشاءُ) أصبناهم أي بعقاب ذنوبهم (وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ) أي لم نهلكهم بالعذاب (نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) أي لا يقبلون ولا يتّعظون ولا ينزجرون وإنما قلنا إن المراد إما الإهلاك وإما الطّبع على القلب لأن الإهلاك لا يجتمع مع الطبع على القلب فإنه إذا أهلكه يستحيل أن يطبع على قلبه انتهى.
والعطف في (وَنَطْبَعُ) بالواو يمنع ما ذكره لأن جعل المعنى على أنه إما الإهلاك وإما الطبع وظاهر العطف بالواو وينبو عن الدلالة على هذا المعنى فإن جعلت الواو بمعنى أو أمكن ذلك وكذلك ينبو عن قوله إن لم نهلكهم بالعذاب ونطبع على قلوبهم العطف بالواو وأورد أبو عبد الله الرازي من أقوال المفسّرين ما يدلّ على أنّ كونه مطبوعا عليه في الكفر لا ينافي صحة العطف فقال أبو علي ويعني به والله أعلم الجبائي الطّبع سمته في القلب من نكتة سوداء أن صاحبها لا يفلح وقال الأصم : أي يلزمهم ما هم عليه فلا يتوبون إلا عند المعاينة فلا تقبل توبتهم ، وقال أبو مسلم : الطبع الخذلان إنه يخذل الكافر فيرى الآية فلا يؤمن بها ويختار ما اعتاد وألف وهذه الأقوال لا يمكن معها العطف إلا على تأويل أن تكون الواو بمعنى أو.
وأجاز الزمخشري في عطف (وَنَطْبَعُ) وجهين آخرين أحدهما ضعيف والآخر خطأ ، قال الزمخشري : (فإن قلت) : بم يتعلق قوله تعالى (وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ)؟ (قلت) : فيه أوجه أو يكون معطوفا على ما دلّ عليه معنى أو لم يهد لهم كأنه قيل يغفلون عن الهداية (وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ) أو على (يَرِثُونَ الْأَرْضَ) انتهى فقوله إنه معطوف على مقدر وهو يغفلون عن الهداية ضعيف لأنه إضمار لا يحتاج إليه إذ قد صحّ أن يكون على الاستئناف من باب العطف في الجمل فهو معطوف على مجموع الجملة المصدرة بأداة الاستفهام وقد قاله الزمخشري وغيره ، وقوله أنه معطوف علي (يَرِثُونَ) خطأ لأنه إذا كان معطوفا على (يَرِثُونَ) كان صلة للذين لأنّ المعطوف على الصلة صلة ويكون قد فصل بين أبعاض الصلة بأجنبي من الصلة وهو قوله (أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ) سواء قدرنا (أَنْ لَوْ نَشاءُ) في موضع الفاعل ليهد أو في موضع المفعول فهو معمول ليهد لا تعلق له بشيء من صلة الذين وهو لا يجوز ومعنى قوله (أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ) بعقاب ذنوبهم أو يضمن (أَصَبْناهُمْ) معنى أهلكناهم فهو من مجاز الإضمار أو التضمين ونفي السماع والمعنى نفي القبول والاتعاظ المترتب على وجود السماع جعل انتفاء فائدته انتفاء له.
(تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها) الخطاب للرسول صلىاللهعليهوسلم و (الْقُرى) هي بلاد قوم