أبرز في فكذبوه فنجيناه ثم كذّبوا بآياتنا (١) فوافق الختم في كل منهما بما يناسب ما قبله انتهى ، ملخصا.
(كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ) أي مثل ذلك الطبع على قلوب أهل القرى حين انتفت عنهم قابلية الإيمان وتساوى أمرهم في الكفر قبل المعجزات وبعدها (يَطْبَعُ اللهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ) ممن أتى بعدهم ، قال الكرماني تقدم ذكر الله بالصريح وبالكناية فجمع بينهما فقال (وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ) وختم بالصريح فقال (كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ) ، وفي يونس بني على ما قبله بنون العظمة في قوله (فَنَجَّيْناهُ) و (جَعَلْناهُمْ ثُمَّ بَعَثْنا) فناسب الطبع بالنون.
(وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ) أي لأكثر الناس أو أهل القرى أو الأمم الماضية احتمالات ثلاثة قاله التبريزي والعهد هنا هو الذي عوهدوا عليه في صلب آدم قاله أبيّ وابن عباس أو الإيمان قاله ابن مسعود ويدلّ عليه إلا من اتخذ عند الله عهدا وهو لا إله إلا الله فالمعنى من إيفاء بعهد أو التزام عهد ، وقيل العهد هو وضع الأدلة على صحة التوحيد والنبوة إذ ذلك عهد في رقاب العقلاء كالعقود فعبر عن صرف عقولهم إلى النظر في ذلك بانتفاء وجدان العهد و (مِنْ) في (مِنْ عَهْدٍ) زائدة تدلّ على الاستغراق لجنس العهد.
(وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ إِنْ) هنا هي المخففة من الثقيلة ووجد بمعنى علم ومفعول (وَجَدْنا) الأولى (لِأَكْثَرِهِمْ) ومفعول الثانية (لَفاسِقِينَ) واللام للفرق بين إن المخففة من الثقيلة وإن النافية وتقدّم الكلام على ذلك في قوله (وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً) (٢) ودعوى بعض الكوفيين أنّ إن في نحو هذا التركيب هي النافية واللام بمعنى إلا ، وقال الزمخشري : وإنّ الشأن والحديث وجدنا انتهى ، ولا يحتاج إلى هذا التقدير وكان الزمخشري يزعم أنّ إن إذا خففت كان محذوفا منها الاسم وهو الشأن والحديث إبقاء لها على الاختصاص بالدخول على الأسماء وقد تقدّم لنا تقدير نظير ذلك ورددنا عليه.
(ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَظَلَمُوا بِها فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) لما قصّ الله تعالى على نبيه أخبار نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وما آل إليه أمر قومهم وكان هؤلاء لم يبق منهم أحد أتبع بقصص موسى وفرعون وبني إسرائيل إذ كانت معجزاته من أعظم المعجزات وأمته من أكثر الأمم تكذيبا وتعنتا واقتراحا وجهلا وكان قد بقي من اتباعه عالم وهم اليهود فقصّ الله علينا قصصهم لنعتبر ونتعظ وننزجر عن أن
__________________
(١) سورة يونس : ١٠ / ٧٣ ، ٧٤.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ١٤٣.