من بني إسرائيل فبعث بهم إلى قرية. قال البغوي : هي الفرما يعلمونهم السحر كما يعلمون الصبيان في المكتب فعلموهم سحرا كثيرا وواعد فرعون موسى موعدا ثم دعاهم وسألهم فقال : ماذا صنعتم قالوا علمناهم من السحر ما لا يقاومهم به أهل الأرض إلا أن يكون أمرا من السماء فإنه لا طاقة لنا به ، وقرأ الأخوان بكل سحّار هنا وفي يونس والباقون (لَساحِرٌ) وفي الشعراء أجمعوا على سحار وتناسب سحار (عَلِيمٌ) لكونهما من ألفاظ المبالغة ولما كان قد تقدّم (إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ) (١) ناسب هنا أن يقابل بقوله (بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ).
(وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قالُوا إِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ) في الكلام حذف يقتضيه المعنى وتقديره فأرسل حاشرين وجمعوا السحرة وأمرهم بالمجيء واضطراب الناقلون للأخبار في عددهم اضطرابا متناقضا يعجب العاقل من تسطيره في الكتب فمن قائل تسعمائة ألف ساحر وقائل سبعين ساحرا فما بينهما من الأعداد المعينة المتناقضة (وَجاءَ) قالوا : بغير حرف عطف لأنه على تقدير جواب سائل سأل ما قالوه إذ جاء قالوا (إِنَّ لَنا لَأَجْراً) أي جعلا ، وقال الحوفي و (قالُوا) في موضع الحال من السحرة والعامل (جاءَ) ، وقرأ الحرميان وحفص (إِنَ) على وجه الخبر واشتراط الأجر وإيجابه على تقدير الغلبة ولا يريدون مطلق الأجر بل المعنى لأجرا عظيما ولهذا قال الزمخشري : والتنكير للتعظيم كقول العرب إن له لإبلا وإن له لغنما يقصدون الكثرة وجوّز أبو علي أن تكون (إِنَ) استفهاما حذفت منه الهمزة كقراءة الباقين الذين أثبتوها وهم الأخوان وابن عامر وأبو بكر وأبو عمرو فمنهم من حققهما ومنهم من سهل الثانية ومنهم من أدخل بينهما ألفا والخلاف في كتب القراءات وفي خطاب السحرة بذلك لفرعون دليل على استطالتهم عليه باحتياجه إليهم وبما يحصل للعالم بالشيء من الترفع على من يحتاج إليه وعلى من لا يعلم مثل علمه و (نَحْنُ) إما تأكيد للضمير وإما فصل وجواب الشرط محذوف ، وقال الحوفي في جوابه ما تقدم.
(قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) أي نعم إن لكم لأجرا (وَإِنَّكُمْ) فعطف هذه الجملة على الجملة المحذوفة بعد (نَعَمْ) التي هي نائبة عنها والمعنى لمن المقربين مني أي لا أقتصر لكم على الجعل والثواب على غلبة موسى بل أزيدكم أن تكونوا من المقربين فتحوزون إلى الأجر الكرامة والرّفعة والجاه والمنزلة والمثاب إنما يتهنى ويغتبط به إذا حاز
__________________
(١) سورة الأعراف : ٧ / ١٠٩.