الانقلابان المراد بهما في الدنيا ويبعد أن يراد بقوله و (إِنَّا) ضمير أنفسهم وفرعون أي ننقلب إلى الله جميعا فيحكم بيننا لقوله (وَما تَنْقِمُ مِنَّا) فإنّ هذا الضمير يخصّ مؤمني السحرة والأولى اتحاد الضمائر والذي أجاز هذا الوجه هو الزمخشري : وفي قولهم (إِلى رَبِّنا) تبرؤ من فرعون ومن ربوبيته وفي الشعراء لا ضير لأن هذه السورة اختصرت فيها القصة واتسعت في الشعراء ذكر فيها أحوال فرعون من أوّلها إلى آخرها فبدأ بقوله (أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً) (١) وختم بقوله (ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ) (٢) فوقع فيها زوائد لم تقع في هذه السورة ولا في طه قاله الكرماني.
(وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا) قال الضحاك : وما تطعن علينا ، وقال غيره : وما تكره منا ، وقال الزمخشري : وما تعيب منا ، وقال ابن عطية : وما تعد علينا ذنبا وتؤاخذنا به وعلى هذه التأويلات يكون قوله (إِلَّا أَنْ آمَنَّا) في موضع المفعول ويكون من الاستثناء المفرّغ من المفعول وجاء هذا التركيب في القرآن كقوله (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا) (٣) (وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا) (٤) وهذا الفعل في لسان العرب يتعدّى بعلى تقول نقمت على الرجل أنقم إذا غلب عليه والذي يظهر من تعديته بمن أنّ المعنى وما تنقم منا أي ما تنال منا كقوله فينتقم الله منه أي يناله بمكروه ويكون فعل وافتعل فيه بمعنى واحد كقدر واقتدر وعلى هذا يكون قوله (إِلَّا أَنْ آمَنَّا) (٥) مفعولا من أجله واستثناء مفرّغا أي ما تنال منا وتعذّبنا لشيء من الأشياء إلا لأن آمنا بآيات ربنا وعلى هذا المعنى يدل تفسير عطاء ، قال عطاء : أي ما لنا عندك ذنب تعذّبنا عليه إلا أنّا آمنا ، والآيات المعجزات التي أتى بها موسى عليهالسلام ومن جعل لما ظرفا جعل العامل فيها (أَنْ آمَنَّا) ومن جعلها حرفا جعل جوابها محذوفا لدلالة ما قبله عليه أي لما جاءتنا آمنا وفي كلامهم هذا تكذيب لفرعون في ادعائه الرّبوبية وانسلاخ منهم عن اعتقادهم ذلك فيه والإيمان بالله هو أصل المفاخر والمناقب وهذا الاستثناء شبيه بقوله :
ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم |
|
بهنّ فلول من قراع الكتائب |
وقرأ الحسن وأبو حيوة وأبو اليسر هاشم وابن أبي عبلة (وَما تَنْقِمُ) بفتح القاف مضارع نقم بكسرها وهما لغتان والأفصح قراءة الجمهور.
(رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ) لما أوعدهم بالقطع والصلب سألوا الله
__________________
(١) سورة الشعراء : ٢٦ / ١٨.
(٢) سورة الشعراء : ٢٦ / ٦٦.
(٣) سورة المائدة : ٥ / ٥٩.
(٤) سورة البروج : ٨٥ / ٨.
(٥) سورة المائدة : ٥ / ٥٩.