وقال حاتم :
فإنا نهين المال من غير ضنّة |
|
ولا يستكينا في السنين ضريرها |
وفي سنين لغتان أشهرهما إعرابها بالواو رفعا والياء جرّا ونصبا وقد تكلف النحاة علة لكونها جمعت هذا الجمع والأخرى جعل الإعراب في النون والتزام الياء في الأحوال الثلاثة نقلها أبو زيد والفراء ، وقال الفراء : هي في هذه اللغة مصروفة عند بني وغير مصروفة عند غيرهم والكلام على ذلك أمعن في كتب النحو وكان هذا الجدب سبع سنين ، قال ابن عباس وقتادة : أما السّنون فكانت لباديتهم ومواشيهم وأما نقص الثمرات فكان في أمصارهم وهذه سيرة الله في الأمم يبتليها بالنقم ليزدجروا ويتذكروا بذلك ما كانوا فيه من النعم فإنّ الشدة تجلب الإنابة والخشية ورقة القلب والرجوع إلى طلب لطف الله وإحسانه وكذا فعل بقريش حين دعا عليهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم اللهم اجعلها عليهم سنين كسنيّ يوسف وروي أنه يبس لهم كل شيء حتى نيل مصر ونقصوا من الثمرات حتى كانت النخلة تحمل الثمرة الواحدة ومعنى (لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) رجاء لتذكرهم وتنبههم على أن ذلك الابتلاء إنما هو لإصرارهم على الكفر وتكذيبهم بآيات الله فيزدجروا.
(فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ) ابتلوا بالجدب ونقص الثمرات رجاء التذكير فلم يقع المرجو وصاروا إذا أخصبوا وصحّوا قالوا : نحن أحقاء بذلك وإذا أصابهم ما يسوءهم تشاءموا بموسى وزعموا أن ذلك بسببه واللام في (لَنا) قيل للاستحقاق كما تقول السّرج للفرس وتشاؤمهم بموسى ومن معه معناه أنه لولا كونهم فينا لم يصبنا كما قال الكفار للرسول عليهالسلام هذه من عندك في قوله (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ) (١) وأتى الشرط بإذا في مجيء الحسنة وهي لما تيقن وجوده لأنّ إحسان الله هو المعهود الواسع العام لخلقه بحيث إنّ إحسانه لخلقه عام حتى في حال الابتلاء وأتى الشرط بأن في إصابة السيئة وهي للممكن إبرازا أن إصابة السيئة مما قد يقع وقد لا يقع وجهه رحمة الله أوسع ، قال الزمخشري : (فإن قلت) : كيف قيل (فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ) بإذا وتعريف الحسنة (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ) بأن وتنكير السيئة (قلت) : لأن جنس الحسنة وقوعه كالواجب لكثرته واتساعه وأما السيئة فلا تقع إلا في الندرة ولا يقع إلا يسير منها ومنه قول بعضهم وقد عددت أيام البلاء فهلا عددت أيام الرجاء انتهى ، وقرأ عيسى بن عمرو وطلحة بن مصرّف تطيروا بالتاء وتخفيف الطاء فعلا ماضيا وهو جواب
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ٧٨.