الشَّاكِرِينَ) لما طلب موسى عليهالسلام الرؤية ومنعها عدّد عليه تعالى وجوه نعمه العظيمة عليه وأمره أن يشتغل بشكرها وهذه تسلية منه تعالى له والاصطفاء تقدّم شرحه (وَعَلَى النَّاسِ) لفظ عام ومعناه الخصوص أي على أهل زمانك أو يبقى على عمومه ويعني في مجموع الدّرجتين الرسالة والكلام قاله ابن عطية وينبغي أن يحمل ذلك على وقوع الكلام في الأرض إذ ثبت أن آدم نبي مكلم وتؤوّل على أن ذلك في الجنة ورسولنا محمد صلىاللهعليهوسلم يظهر من حديث الإسراء أنه كلمه الله تعالى ويدلّ قوله (وَبِكَلامِي) على أنه سمع الكلام من الله لا من غيره لأن الملائكة تنزل على الرسل بكلام الله وقدّم (بِرِسالاتِي) وعلي (وَبِكَلامِي) لأن الرسالة أسبق في الزمان أو لأنه انتقل من شريف إلى أشرف ، وقرأ الحرميان برسالتي على الإفراد وهو مراد به المصدر أي بإرسالي أو يكون على حذف مضاف أي بتبليغ رسالتي لأن مدلول الرسالة غير مدلول المصدر ، وقرأ باقي السبعة بالجمع لأنّ الذي أرسل به ضروب وأنواع ، وقرأ الجمهور (وَبِكَلامِي) فاحتمل أن يكون مصدرا أي وبتكليمي أو يكون على حذف مضاف أي وبسماع كلامي ، وقرأ أبو رجاء برسالتي وبكلمي جمع كلمة أي وبسماع كلمي ، وقرأ الأعمش برسالاتي وتكلمي ، وحكى عنه المهدوي وتكليمي على وزن تفعيلي وأمره تعالى أن يأخذ ما آتاه من النبوّة لأنّ في الأمر بالأخذ مزيد تأكيد وحصول أجر بالامتثال والمعنى خذ ما آتيتك باجتهاد في تبليغه وجدّ في النفع به (وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) على ما آتيناك وفي ذلك إشارة إلى القنع والرضا بما أعطاه الله والشكر عليه.
(وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) قيل : إنّ موسى عليهالسلام صعق يوم الجمعة يوم عرفة وأفاق فيه وأعطي التوراة يوم النحر وظاهر قوله (وَكَتَبْنا) نسبة الكتابة إليه. فقيل كتب بيده وأهل السماء يسمعون صرير القلم في اللوح ، وقيل : أظهرها وخلقها في الألواح ، وقيل : أمر القلم أن يخطّ لموسى في الألواح ، وقيل : كتبها جبريل عليهالسلام بالقلم الذي كتبه به الذكر واستمد من نهر النّور ففي هذين القولين أسند ذلك إلى نفسه إسناد تشريف إذ ذاك صادر عن أمره ، وقيل : معنى (كَتَبْنا) فرضنا كقوله تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) (١) والضمير في (لَهُ) عائد على موسى و (الْأَلْواحِ) جمع قلة وأل فيها لتعريف الماهيّة فإن كان هو الذي قطعها وشققها فتكون أل فيها للعهد ، وقال ابن عطية : عوض من الضمير الذي يقدر وصلة بين الألواح وموسى عليهالسلام تقديره في ألواحه وهذا كقوله تعالى (فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى) (٢) أي مأواه انتهى وكون أل عوضا من الضمير ليس
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ١٨٣.
(٢) سورة النازعات : ٧٩ / ٤١.