(جَسَداً) بدنا ذا لحم ودم كسائر الأجساد ، قال الحسن : إنّ السامريّ قبض قبضة من تراب من أثر فرس جبريل عليهالسلام يوم قطع البحر فقذفه في في العجل فكان عجلا له خوار انتهى. وهذا ضعيف أعني كونه لحما ودما لأنّ الآثار وردت بأن موسى برده بالمبارد وألقاه في البحر ولا يبرد اللحم بل كان يقتل ويقطع ، وقال ابن الأنباري : ذكر الجسد دلالة على عدم الروح فيه انتهى ، وظاهر قوله (لَهُ خُوارٌ) يدلّ على أنه فيه روح لأنه لا يخور إلا ما فيه روح ، وقيل : لما صنعه أجوف تحيل لتصويته بأن جعل في جوفه أنابيب على شكل مخصوص وجعله في مهبّ الرياح فتدخل في تلك الأنابيب فيظهر صوت يشبه الخوار ، وقيل : جعل تحته من ينفخ فيه من حيث لا يشعر به فيسمع صوت من جوفه كالخوار ، وقال الكرماني : جعل في بطن العجل بيتا يفتح ويغلق فإذا أراد أن يخور أدخله غلاما يخور بعلامة بينهما إذا أراد ، وقيل : يحتمل أن يكون الله أخاره ليفتن بني إسرائيل وخواره ، قيل : مرة واحدة ولم يثن رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وقيل : مرارا فإذا خار سجدوا وإذا سكت رفعوا رؤوسهم ، وقاله ابن عباس وأكثر المفسرين ، وقرأ علي وأبو السّمال وفرقة جؤار : بالجيم والهمز من جأر إذا صاح بشدّة صوت وانتصب (جَسَداً) ، قال الزمخشري على البدل ، وقال الحوفي على النعت وأجازهما أبو البقاء وأن يكون عطف بيان وإنما قال : (جَسَداً) لأنه يمكن أن يتخذ مخطوطا أو مرقوما في حائط أو حجر أو غير ذلك كالتماثيل المصوّرة بالرقم والخط والدّهان والنقش فبين تعالى أنه ذو جسد.
(أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً) ، إن كان اتخذ معناه عمل وصنع فلا بدّ من تقدير محذوف يترتب عليه هذا الإنكار وهو فعبدوه وجعلوه إلها لهم وإن كان المحذوف إلها أي اتخذوا (عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ) إلها فلا يحتاج إلى حذف جملة ، وهذا استفهام إنكار حيث عبدوا جمادا أو حيوانا عاجزا عليه آثار الصّنعة لا يمكن أن يتكلم ولا يهدي وقد ركز في العقول أن من كان بهذه المثابة استحال أن يكون إلها وهذا نوع من أنواع البلاغة يسمّى الاحتجاج النظري وبعضهم يسميه المذهب الكلامي والظاهر أن يروا بمعنى يعلموا وسلب تعالى عنه هذين الوصفين دون باقي أوصاف الإلهية لأنّ انتفاء التكليم يستلزم انتفاء العلم وانتفاء الهداية إلى سبيل يستلزم انتفاء لقدرة وانتفاء هذين الوصفين وهما العلم والقدرة يستلزمان باقي الأوصاف فلذلك حضّ هذان الوصفان بانتفائهما.
(اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ) أي أقدموا على ما أقدموا عليه من هذا الأمر الشنيع وكانوا واضعين الشيء في غير موضعه أي من شأنهم الظلم فليسوا مبتكرين وضع الشيء في غير