يطأطىء رأسه ويضع ذقنه على يده معتمدا عليها ويصبر على هيئة لو نزعت يده لسقط على وجهه كأن اليد مسقوط فيها ومعنى (فِي) على أي سقط على يده ومعنى (فِي أَيْدِيهِمْ) أي على أيديهم كقوله (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) (١) انتهى. وكان متعلق سقط قوله في أيديهم لأنّ اليد هي الآلة التي يؤخذ بها ويضبط و (سُقِطَ) مبني للمفعول والذي أوقع موضع الفاعل هو الجار والمجرور كما تقول : جلس في الدار وضحك من زيد ، وقيل : (سُقِطَ) تتضمن مفعولا وهو هاهنا المصدر الذي هو الإسقاط كما يقال : ذهب يزيد انتهى ، وصوابه وهو هنا ضمير المصدر الذي هو السقوط لأنّ سقط ليس مصدر الإسقاط وليس نفس المصدر هو المفعول الذي لم يسمّ فاعله بل هو ضميره وقرأت فرقة منهم ابن السميقع (سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ) مبنيا للفاعل.
قال الزمخشري أي وقع الغضّ فيها ، وقال الزجاج : سقط الندم في أيديهم ، قال ابن عطية : ويحتمل أنّ الخسران والخيبة سقط في أيديهم ، وقرأ ابن أبي عبلة : أسقط في أيديهم رباعيّا مبنيا للمفعول ورأوا أي علموا (أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا).
قال القاضي : يجب أن يكون المؤخّر مقدّما لأنّ الندم والتحسر إنما يقعان بعد المعرفة فكأنه تعالى قال : ولما رأوا أنهم قد ضلوا وسقط في أيديهم لما نالهم من عظيم الحسرة انتهى ، ولا يحتاج إلى هذا التقدير بل يمكن تقدّم النّدم على تبين الضلال لأنّ الإنسان إذا شكّ في العمل الذي أقدم عليه أهو صواب أو خطأ حصل له الندم ثم بعد يتكامل النظر والفكر فيعلم أن ذلك خطأ ، (قالُوا : لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا) انقطاع إلى الله تعالى واعتراف بعظيم ما أقدموا عليه وهذا كما قال : آدم وحواء (وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا) (٢) ولما كان هذا الذنب وهو اتخاذ غير الله إلها أعظم الذنوب بدؤوا بالرحمة التي وسعت كل شيء ومن نتاجها غفران الذنب وأما في قصة آدم فإنه جرت محاورة بينه تعالى وبينهما وعتاب على ما صدر منهما من أكل ثمر الشجرة بعد نهيه إياهما عن قربانها فضلا عن أكل ثمرها فبادرا إلى الغفران وأتبعاه بالرحمة إذ غفران ما وقع العتاب عليه أكد ما يطلب أولا.
وقرأ الأخوان والشعبي وابن وثاب والجحدري وابن مصرف والأعمش وأيوب بالخطاب في ترحّمنا وتغفر ونداء ربنا ، وقرأ باقي السبعة ومجاهد والحسن والأعرج وأبو جعفر وشيبة بن نصاح وغيرهم : (يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا) بالياء فيهما ورفع (رَبُّنا) وفي
__________________
(١) سورة طه : ٢٠ / ٧١.
(٢) سورة الأعراف : ٧ / ٢٣.