وأجود اللغات الاجتزاء بالكسرة عن ياء الإضافة ثم قلب الياء ألفا والكسرة قبلها فتحة ثم حذف التاء وفتح الميم ثم إثبات التاء مفتوحة أو ساكنة وهذه اللغات جائزة في ابنة أمي وفي ابن عمي وابنة عمي وقرىء يا ابن أمي بإثبات الياء وابن إمّ بكسر الهمزة والميم ومعمول القول المنادى والجملة بعده المقصود بها تخفيف ما أدرك موسى من الغضب والاستعذار له بأنه لم يقصّر في كفهّم من الوعظ والإنذار وما بلغته طاقته ولكنهم استضعفوه فلم يلتفتوا إلى وعظه بل قاربوا أن يقتلوه ودلّ هذا على أنه بالغ في الإنكار عليهم حتى همّوا بقتله ومعنى (اسْتَضْعَفُونِي) وجدوني فهي بمعنى الفاء الشيء بمعنى ما صيغ منه أي اعتقدوني ضعيفا ، وتقدّم ذلك في قوله (لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا) (١) ولما أبدى له ما كان منهم من الاستضعاف له ومقاربة قتلهم إياه سأله ترك ما يسرهم بفعله فقال (فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ) أي لا تسرّهم بما تفعل بي فأكون ملوما منهم ومنك ، وقال الشاعر :
والموت دون شماتة الأعداء
وقرأ ابن محيصن (تُشْمِتْ) بفتح التاء وكسر الميم ونصب (الْأَعْداءَ) ومجاهد كذلك إلا أنه فتح الميم وشمت متعدّية كأشمت وخرّج أبو الفتح قراءة مجاهد على أن تكون لازمة والمعنى فلا تشمت أنت يا ربّ وجاز هذا ، كما قال الله يستهزىء بهم ونحو ذلك ثم عاد إلى المراد فأضمر فعلا نصب به الأعداء كقراءة الجماعة انتهى ، وهذا خروج عن الظاهر وتكلّف في الإعراب وقد روي تعدّى شمت لغة فلا يتكلّف أنها لازمة مع نصب الأعداء وأيضا قوله : (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) (٢) إنما ذلك على سبيل المقابلة لقولهم (إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) (٣) فقال : (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) وكقوله (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ) (٤) ولا يجوز ذلك ابتداء من غير مقابلة وعن مجاهد (فَلا تُشْمِتْ) بفتح التاء والميم ورفع (الْأَعْداءَ) ، وعن حميد بن قيس كذلك إلا أنه كسر الميم جعلاه فعلا لازما فارتفع به الأعداء فظاهره أنه نهى الأعداء عن الشماتة به وهو من باب لا أرينك هنا والمراد نهيه أخاه أي لا تحلّ بي مكروها فيشمتوا بي وبدأ أوّلا بسؤال أخيه أن لا يشمت به الأعداء لأنّ ما يوجب الشماتة هو فعل مكروه ظاهر لهم فيشمتوا به فبدأ بالأوكد ثم سأله أن لا يجعله ولا يعتقده واحدا من الظالمين إذ جعله معهم واعتقاده من جملتهم هو فعل قلبي وليس ظاهرا لبني إسرائيل أو يكون المعنى (وَلا تَجْعَلْنِي) في موجدتك عليّ قرينا لهم مصاحبا لهم ..
__________________
(١) سورة الأعراف : ٧ / ٧٥ وغيرها.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ١٥.
(٣) سورة البقرة : ٢ / ١٤.
(٤) سورة الأنفال : ٨ / ٣٠.