لام في القرآن إلا هذا وقوله (أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ) (١) و (لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً) (٢) والمحذوف في (مِنْ قَبْلُ) أي من قبل الاختيار وأخذ الرّجفة وذلك زمان إغضائهم على عبادة العجل أو عبادتهم هم إياه وقوله (وَإِيَّايَ) أي وقت قتلي القبطي فأنت قد سترت وغفرت حينئذ فكيف الآن إذ رجوعي دونهم فساد لبني إسرائيل قال أكثره ابن عطية وعطف (وَإِيَّايَ) على الضمير المنصوب في (أَهْلَكْتَهُمْ) وعطف الضمير مما يوجب فصله وبدأ بضميرهم لأنّهم الذين (أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) فماتوا أو أغمي عليهم ولم يمت هو ولا أغمي عليه ولم يكتف بقوله (أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ) حتى أشرك نفسه فيهم وإن كان لم يشركهم في مقتضى الإهلاك تسليما منه لمشيئة الله تعالى وقدرته وأنه لو شاء إهلاك العاصي والطائع لم يمنعه من ذلك مانع.
(أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا) قيل : هذا استفهام على سبيل الإدلاء بالحجة في صيغة استعطاف وتذلّل والضمير المنصوب في (أَتُهْلِكُنا) له وللسبعين و (بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ) فيه الخلاف مرتّبا على سبب أخذ الرّجفة من طلب الرؤية أو عبادة العجل أو قولهم قتلت هارون أو تشططهم في الدعاء أو عبادتهم بأنفسهم العجل ، وقيل : الضمير في (أَتُهْلِكُنا) له ولبني إسرائيل و (بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ) أي بالتفرّق والكفر والعصيان يكون هلاكهم ، وقال الزمخشري يعني نفسه وإياهم لأنه إنما طلب الرؤية زجرا للسفهاء وهم طلبوها سفها وجهلا والذي يظهر لي أنه استفهام استعلام اتبع إهلاك المختارين وهم خير بني إسرائيل بما فعل غيرهم إذ من الجائز في العقل ذلك ألا ترى إلى قوله تعالى : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) (٣) وقوله عليهالسلام ، وقد قيل له : أنهلك وفينا الصالحون قال : «نعم إذا كثر الخبث». وكما ورد أن قوما يخسف بهم قيل : وفيهم الصالحون فقيل : يبعثون على نيّاتهم أو كلاما هذا معناه وروي عن عليّ أنهم أحيوا وجعلوا أنبياء كلهم.
(إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ) أي إن فتنتهم (إِلَّا فِتْنَتُكَ) والضمير في (هِيَ) يفسره سياق الكلام أي أنت هو الذي فتنتهم قالت فرقة لما أعلمه الله أنّ السبعين عبدوا العجل تعجب وقال (إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ) ، وقيل لما أعلم موسى بعبادة بني إسرائيل العجل وبصفته قال : يا ربّ ومن أخاره قال : أنا قال : موسى فأنت أضللتهم (إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ) ، قال ابن عطية : ويحتمل أن يشير به إلى قولهم (أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً) إذ كانت فتنة
__________________
(١) سورة الأعراف : ٧ / ١٠٠.
(٢) سورة الواقعة : ٥٦ / ٧٠.
(٣) سورة الأنفال : ٨ / ٢٥.