(قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ). الظاهر أنه استئناف إخبار عن عذابه ورحمته ويندرج في قوله : (أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ) أصحاب الرّجفة ، وقيل العذاب هنا هو الرّجفة و (مَنْ أَشاءُ) أصحابها والمعنى أنه لا اعتراض عليه أي من أشاء عذابه ، وقيل : (مَنْ أَشاءُ) أن لا أعفو عنه ، وقيل : (مَنْ أَشاءُ) من خلقي كما أصبت به قومك ، وقيل : من أشاء من الكفار ، وقيل المشيئة راجعة إلى التعجيل والإمهال لا إلى الترك والإهمال ، وقال الزمخشري : ممن أشاء من وجب عليّ في الحكمة تعذيبه ولم يكن في العفو عنه مساغ لكونه مفسدة انتهى ، وهو على طريقة المعتزلة ، وقال ابن عباس أصيب من أشاء على الذنب اليسير ، وقال أيضا (وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) من ذنوب المؤمنين ، وقال أبو روق هي التعاطف بين الخلائق ، وقال ابن زيد : هي التوبة على العموم ، وقال الحسن :
هي في الدنيا بالرزق عامة وفي الآخرة بالمؤمنين خاصة ، وقال الزمخشري : وأما رحمتي فمن حالها وصفتها أنها واسعة كل شيء ما من مسلم ولا كافر ولا مطيع ولا عاص إلا وهو متقلب في نعمتي انتهى ، وهو بسط قول الحسن : هي في الدنيا بالرزق عامة ، وقرأ زيد بن علي والحسن وطاوس وعمرو بن فائد من أساء من الإساءة ، وقال أبو عمرو الدّاني : لا تصحّ هذه القراءة عن الحسن وطاوس وعمرو بن فائد رجل سوء ، وقرأ بها سفيان بن عيينة مرّة واستحسنها فقام إليه عبد الرحمن المقري وصاح به وأسمعه فقال سفيان : لم أدر ولم أفطن لما يقول أهل البدع وللمعتزلة تعلّق بهذه القراءة من جهة إنفاذ الوعيد ومن جهة خلق المرء أفعاله وإن أساء لا فعل فيه لله تعالى والانفصال عن هذا كالانفصال عن سائر الظواهر.
(فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ) أي أقضيها وأقدّرها والضمير عائد على الرحمة لأنها أقرب مذكور ويحتمل عندي أن يعود على حسنة في قوله (وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ) أي فسأكتب الحسنة وقاله ابن عباس ونوف البكالي وقتادة وابن جريح والمعنى متقارب لما سمع إبليس (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) تطاول لها إبليس فلما سمع (فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ) يبس ، وبقيت اليهود والنصارى فلما تمادت الصفة تبين أنّ المراد أمة محمد صلىاللهعليهوسلم ويئس النصارى واليهود من الآية ، وقال أهل التفسير : عرض الله هذه الخلال على قوم موسى فلم يتحملوها ولما انطلق وفد بني إسرائيل إلى الميقات قيل لهم خطت لكم الأرض مسجدا وطهورا إلا عند مرحاض أو قبر أو حمام وجعلت السّكينة في قلوبهم فقالوا : لا نستطيع فاجعل السكينة في التابوت والصلاة في