البقرة وكأن هذه مختصرة من تلك إلا أنّ هناك (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا) (١) (وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا) وهناك (رَغَداً) (٢) وسقط هنا وهناك (وَسَنَزِيدُ) (٣) وهنا (سَنَزِيدُ) وهناك (فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) (٤) وهنا (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ) وبينهما تغاير في بعض الألفاظ لا تناقض فيه فقوله : (وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ) وهناك (وَإِذْ قُلْنَا) فهنا حذف الفاعل للعلم به وهو الله تعالى ، وهناك (ادْخُلُوا) (٥) وهنا (اسْكُنُوا) السّكنى ضرورة تتعقب الدخول فأمروا هناك بمبدأ الشيء وهنا بما تسبّب عن الدخول وهناك (فَكُلُوا) (٦) بالفاء وهنا بالواو فجاءت الواو على أحد محتملاتها من كون ما بعدها وقع بعد ما قبلها ، وقيل الدخول حالة مقتضية فحسن ذكر فاء التعقيب بعده والسكنى حالة مستمرة فحسن الأمر بالأكل معه لا عقيبه فحسنت الواو الجامعة للأمرين في الزمن الواحد وهو أحد محاملها ويزعم بعض النحويين أنه أولى بحاملها وأكثر. وقيل ثبت (رَغَداً) بعد الأمر بالدخول لأنها حالة قدوم فالأكل فيها ألذ وأتم وهم إليه أحوج بخلاف السكنى فإنها حالة استقرار واطمئنان فليس الأكل فيها ألذّ ولا هم أحوج. وأما التقديم والتأخير في (وَقُولُوا وَادْخُلُوا) ، فقال الزمخشريّ : سواء قدّموا الحطة على دخول الباب وأخروها فهم جامعون في الإيجاد بينهما انتهى ، وقوله سواء قدّموا وأخّروه تركيب غير عربي وإصلاحه سواء أقدموا أم أخروها كما قال تعالى : (سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا) (٧) ويمكن أن يقال : ناسب تقديم الأمر بدخول الباب (سُجَّداً) مع تركيب (ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ) لأنه فعل دالّ على الخضوع والذلة و (حِطَّةٌ) قول والفعل أقوى في إظهار الخضوع من القول فناسب أن يذكر مع مبدأ الشيء وهو الدخول ولأنّ قبله (ادْخُلُوا) فناسب الأمر بالدخول للقرية الأمر بدخول بابها على هيئة الخضوع ولأنّ دخول القرية لا يمكن إلا بدخول بابها فصار باب القرية كأنه بدل من القرية أعيد معه العامل بخلاف الأمر بالسّكنى.
وأما (سَنَزِيدُ) هنا فقال الزمخشري موعد بشيئين بالغفران والزيادة وطرح الواو لا يخلّ بذلك لأنه استئناف مرتب على تقدير قول القائل وماذا بعد الغفران فقيل له : (سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ) وزيادة (مِنْهُمْ) بيان وأرسلنا وأنزلنا و (يَظْلِمُونَ) ويفسقون من واد واحد ، وقرأ الحسن : حطة بالنصب على المصدر أي حطّة ذنوبنا حطة ويجوز أن ينتصب بقولوا على حذف التقدير وقولوا قولا حطة أي ذا حطة فحذف ذا وصار حطة وصفا للمصدر المحذوف كما تقول : قلت حسنا وقلت حقّا أي قولا حسنا وقولا
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٥٨.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ٥٨.
(٣) سورة البقرة : ٢ / ٥٨.
(٤) سورة البقرة : ٢ / ٥٨.
(٥) سورة البقرة : ٢ / ٥٨.
(٦) سورة البقرة : ٢ / ٥٨.
(٧) سورة إبراهيم : ١٤ / ٢١.