منها البرّ والفاجر ، والعرض بسكون الراء الدراهم والدنانير التي هي رؤوس الأموال وقيم المتلفات ، قال السدّي : كانوا يعيرون القاضي فإذا ولّى المعير ارتشى ، وقيل كانوا لو أتاهم من الخصم الأجر رشوة أخذوها ونقضوا بالرشوة الثانية ما قضوا بالرشوة الأولى. وقال الشاعر :
إذا ما صبّ في القنديل زيت |
|
تحوّلت القضية للمقندل |
وقال آخر :
لم يفتح الناس أبوابا ولا عرفوا |
|
أجدى وأنجح في الحاجات من طبق |
إذا تعمم بالمنديل في طبق |
|
لم يخش نبوة بواب ولا غلق |
ولهذه الأمة من هذه الآية نصيب وافر. قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لتسلكنّ سنن من قبلكم» ومن اختبر حال علمائها وقضاتها ومفتييها شاهد بالعيان ما أخبر به الصادق ، وقال الزمخشري : الواو للحال يعني في (وَإِنْ يَأْتِهِمْ) أي يرجون المغفرة وهم مصرّون عائدون إلى مثل قولهم غير ناسين وغفران الذنوب لا يصحّ إلا بالتوبة والمصرّ لا غفران له انتهى ، وجمله على جعل الواو للحال لا للعطف مذهب الاعتزال والظاهر ما قدّمناه ولا يردّ عليه بأن جملة الشرط لا تقع حالا لأنّ ذلك جائز.
(أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا ما فِيهِ). هذا توبيخ وتقرير لما تضمنه الكتاب من أخذ الميثاق أنهم لا يكذبون على الله. قال ابن زيد : كان يأتيهم المحقّ برشوة فيخرجون له كتاب الله ويحكمون له به فإذا جاء المبطل أخذوا منه الرشوة وأخرجوا كتابهم الذي كتبوه بأيديهم وحكموا له وأضيف الميثاق إلى الكتاب لأنه ذكر فيه (أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) ، وقال بعضهم : هو قولهم (سَيُغْفَرُ لَنا) ولا يتعين ذلك بل هو أعم من هذا القول وغيره فيندرج فيه الجزم بالغفران وغيره و (أَنْ لا يَقُولُوا) في موضع رفع على البدل من ميثاق الكتاب ، وقال الزمخشري : هو عطف بيان لميثاق الكتاب ومعناه الميثاق المذكور في الكتاب وفيه إنّ إثبات المغفرة بغير توبة خروج عن ميثاق الكتاب وافتراء على الله تعالى وتقول ما ليس بحق عليه وإن فسّر (مِيثاقُ الْكِتابِ) بما تقدم ذكره كان (أَنْ لا يَقُولُوا) مفعولا له ومعناه لئلا يقولوا ويجوز أن تكون مفسّرة ولا يقولوا نهيا ، كأنه قيل ألم يقل لكم لا تقولوا على الله إلا الحق ، وقال أيضا : قبل ذلك (مِيثاقُ الْكِتابِ) يعني قوله في التوراة من ارتكب ذنبا عظيما فإنه لا يغفر له إلا بالتوبة