وقال سعيد بن المسيب أيضا : هو أبو عامر بن النعمان بن صيفي الراهب سماه رسول الله صلىاللهعليهوسلم : الفاسق وكان ترهّب في الجاهلية ولبس المسوح وهو الذي بنى له المنافقون مسجد الضرار جرت بينه وبين النبي صلىاللهعليهوسلم محاورة فقال أبو عامر : أمات الله الكاذب منا طريدا وحيدا وأرسل إلى المنافقين أن استعدوا بالقوة والسلاح ثم أتى قيصر واستجاشه ليخرج محمدا صلىاللهعليهوسلم وأصحابه من المدينة فمات بالشام طريدا شريدا وحيدا ، وقيل : غير هذا والأولى في مثل هذا إذا ورد عن المفسرين أن تحمل أقاويلهم على التمثيل لا على الحصر في معين فإنه يؤدي إلى الاضطراب والتناقض والخلاف في (آتَيْناهُ آياتِنا) مترتب على من عنى الذي آتيناه أذلك اسم الله الأعظم أو الآيات من كتب الله أو حجج التوحيد أو من آيات موسى أو العلم بمجيء الرسول والانسلاخ من الآيات مبالغة في التبري منها والبعد أي لم يعمل بما اقتضته نعمتنا عليه من إتيانه آياتنا جعل كأنه كان ملتبسا بها كالثوب فانسلخ منها وهذا من إجراء المعنى مجرى الجزم وقول من قال : إنه من المقلوب أي إلا انسلخت الآيات عنه لا ضرورة تدعو إليه ، وقال سفيان : إن الرجل ليذنب ذنبا فينسى بابا من العلم.
وقرأ الجمهور : (فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ) من أتبع رباعيا أي لحقه وصار معه وهي مبالغة في حقه إذ جعل كأنه هو إمام للشيطان يتبعه وكذلك (فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ) (١) أي عدا وراءه ، قال القتبي تبعه من خلفه واتبعه أدركه ولحقه كقوله : (فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ) (٢) أي أدركوهم فعلى هذا يكون متعديا إلى واحد وقد يكون اتبع متعدّيا إلى اثنين كما قال تعالى : وأتبعناهم ذرّياتهم بإيمان فيقدر هذا (فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ) خطواته أي جعله الشيطان يتبع خطواته فتكون الهمزة فيه للتعدي إذ أصله تبع هو خطوات الشيطان ، وقرأ طلحة بخلاف والحسن فيما روى عنه هارون (فَأَتْبَعَهُ) مشدّدا بمعنى تبعه ، قال صاحب كتاب اللوامح : بينهما فرق وهو أن تبعه إذا مشى في أثره واتبعه إذا واراه مشيا فأما (فَأَتْبَعَهُ) بقطع الهمزة فمما يتعدّى إلى مفعولين لأنه منقول من تبعه وقد حذف في العامة أحد المفعولين ، وقيل فأتبعه بمعنى استتبعه أي جعله له تابعا فصار له مطيعا سامعا ، وقيل معناه : تبعه شياطين الإنس أهل الكفر والضلال ، (فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ) يحتمل أن تكون (فَكانَ) باقية الدلالة على مضمون الجملة واقعا في الزمان الماضي ويحتمل أن تكون كان بمعنى صار أي صار من الضالين الكافرين ، قال مقاتل : من الضالين ، وقال الزجاج : من الهالكين الفاسدين.
__________________
(١) سورة الصافات : ٣٧ / ١٠.
(٢) سورة الشعراء : ٢٦ / ٦٠.