وقيل هي بمعنى الذي تقديره أو لم يتفكروا في ما بصاحبهم وعلى هذا يكون الكلام خرج على زعمهم انتهى وهي تخريجات ضعيفة ينبغي أن ينزه القرآن عنها وتفكر مما ثبت في اللسان تعليقه فلا ينبغي أن يعدل عنه.
(أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ) لما حضّهم على التفكر في حال الرسول وكان مفرعا على تقرير دليل التوحيد أعقب بما يدل على التوحيد ووجود الصانع الحكيم والملكوت الملك العظيم وتقدّم شرح ذلك في قوله (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (١) ولم يتقصر على ذكر النظر في الملكوت بل نبه على أنّ كل فرد فرد من الموجودات محل للنظر والاعتبار والاستدلال على الصانع الحكيم ووحدانيته كما قال الشاعر :
وفي كل شيء له آية |
|
تدلّ على أنه الواحد |
(وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ) و (أَنْ) معطوف على (ما) في قوله (وَما خَلَقَ) وبخوا على انتفاء نظرهم في ملكوت السموات والأرض وهي أعظم المصنوعات وأدلتها على عظمة الصانع ثم عطف عليه شيئا عاما وهو قوله (وَما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ) فاندرج السموات والأرض في ما خلق ثم عطف عليه شيئا يخصّ أنفسهم وهو انتفاء نظرهم وتفكرهم في أنّ أجلهم قد اقترب فيبادرهم الموت على حالة الغفلة عن النظر في ما ذكر فيؤول أمرهم إلى الخسار وعذاب النار نبههم على الفكر في اقتراب الأجل لعلهم يبادرون إليه وإلى طلب الحق وما يخلّصهم من عذاب الله قبل مقانصة الأجل وأجلهم وقت موتهم ، وقال الزمخشري : يجوز أن يراد باقتراب الأجل اقتراب الساعة (وَأَنْ) هي المخففة من الثقيلة واسمها محذوف ضمير الشأن وخبرها (عَسى) وما تعلقت به وقد وقع خبر الجملة غير الخبرية في مثل هذه الآية وفي مثل (وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْها) (٢) فغضب الله عليها جملة دعاء وهي غير خبرية فلو كانت (أَنْ) مشددة لم تقع (عَسى) ولا جملة الدعاء لها لا يجوز علمت أن زيدا عسى أن يخرج ولا علمت أن زيدا لعنه الله وأنت تريد الدعاء وأجاز أبو البقاء أن تكون (أَنْ) هي المخففة من الثقيلة وأن تكون مصدرية يعني أن تكون الموضوعة على حرفين وهي الناصبة للفعل المضارع وليس بشيء لأنهم نصوا على أنها توصل بفعل متصرّف مطلقا يعنون ماضيا ومضارعا وأمرا فشرطوا فيه التصرّف ، و (عَسى)
__________________
(١) سورة الأنعام : ٦ / ٧٥.
(٢) سورة النور : ٢٤ / ٩.