فعل جامد فلا يجوز أن يكون صلة لأن و (عَسى) هنا تامة وأن يكون فاعل بها نحو قولك عسى أن تقوم واسم (يَكُونَ). قال الحوفي : (أَجَلُهُمْ) و (قَدِ اقْتَرَبَ) الخبر ، وقال الزمخشري وغيره : اسم (يَكُونَ) ضمير الشأن فيكون (قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ) في موضع نصب في موضع خبر (يَكُونَ) و (أَجَلُهُمْ) فاعل باقترب وما أجازه الحوفي فيه خلاف فإذا قلت كان يقوم زيد فمن النحويين من زعم أنّ زيدا هو الاسم ويقوم في موضع نصب على الخبر ومنهم من منع ذلك ويجعل في ذلك ضمير الشأن والجواز اختيار ابن مالك والمنع اختيار ابن عصفور وقد ذكرنا هذه المسألة مستوفاة التقسيم والدلائل في شرحنا لكتاب التسهيل.
(فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) معنى هذه الجملة وما قبلها توقيفهم وتوبيخهم على أنه لم يقع منهم نظر ولا تدبّر في شيء من ملكوت السموات والأرض ولا في مخلوقات الله تعالى ولا في اقتراب آجالهم ثم قال (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ) أو أمر يقع إيمانهم وتصديقهم إذ لم يقع بأمر فيه نجاتهم ودخولهم الجنة ونحوه قول الشاعر :
فعن أي نفس بعد نفسي أقاتل
والمعنى إذا لم أقاتل عن نفسي فكيف أقاتل عن غيرها ولذلك إذا لم يؤمنوا بهذا الحديث الذي هو الصدق المحض وفيه نجاتهم وخلاصهم فكيف يصدقون بحديث غيره والمعنى أنه ليس من طباعهم التصديق بما فيه خلاصهم والضمير في (بَعْدَهُ) للقرآن أو الرسول وقصته وأمره أو الأجل إذ لا عمل بعد الموت أقوال ثلاثة. قال الزمخشري : (فإن قلت) : بم يتعلق قوله (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) ، (قلت) : بقوله : (عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ) كأنه قيل : لعل أجلهم قد اقترب فما لهم لا يبادرون إلى الإيمان بالقرآن قبل الفوت ما ينتظرون بعد وضوح الحق وبأي حديث أحقّ منه يريدون أن يؤمنوا.
(مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ). نفى نفيا عامّا أن يكون هاد لمن أضله الله فتضمن اليأس من إيمانهم والمقت بهم.
(وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ). قرأ الحسن وقتادة وأبو عبد الرحمن وأبو جعفر والأعرج وشيبة والحرميان وابن عامر ونذرهم بالنون ورفع الراء وأبو عمرو وعاصم بالياء ورفع الراء وهو استئناف إخبار قطع الفعل أو أضمر قبله ونحن فيكون جملة اسمية ، وقرأ ابن مصرّف والأعمش والأخوان وأبو عمرو فيما ذكر أبو حاتم بالياء والجزم وروى خارجة