لكلّ من التهليل والتسبيح وغير ذلك وانتصب (تَضَرُّعاً وَخِيفَةً) على أنهما مفعولان من أجلهما لأنهما يتسبب عنهما الذكر وهو التضرّع في اتصال الثواب والخوف من العقاب ويحتمل أن ينتصبا على أنهما مصدران في موضع الحال أي متضرعا وخائفا أو ذا تضرّع وخيفة ، وقرىء وخفية والظاهر أن قوله (وَاذْكُرْ) خطاب للرسول صلىاللهعليهوسلم ، وقيل : خطاب لكلّ ذاكر ، وقال ابن عطية : خطاب له ويعمّ جميع أمته ، والظاهر تعلّق الذكر بالرب تعالى لأنّ استحضار الذات المقدسة استحضار لجميع أوصافها ، وقيل : هو على حذف مضاف أي واذكر نعم ربك في نفسك باستدامة الفكر حتى لا تنسى نعمه الموجبة لدوام الشكر ، وفي لفظة (رَبَّكَ) من التشريف بالخطاب والإشعار بالإحسان الصادر من المالك للملوك ما لا خفاء فيه ولم يأت التركيب واذكر الله ولا غيره من الأسماء وناسب أيضا لفظ الرب قوله (تَضَرُّعاً وَخِيفَةً) لأنّ فيه التصريح بمقام العبودية والظاهر أن قوله «ودون الجهر من القول» حالة مغايرة لقوله (فِي نَفْسِكَ) لعطفها عليها والعطف يقتضي التغاير.
وقال ابن عطية : والجمهور على أن الذكر لا يكون في النفس ولا يراعى إلا بحركة اللسان قال : ويدل عليه من هذه الآية قوله تعالى (وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ) فهذه مرتبة السرّ والمخافتة باللفظ انتهى ، ولا دلالة في ذلك لما زعم بل الظاهر المغايرة بين الحالتين وأنهما ذكران نفساني ولساني ، ولذلك قال الزمخشري ومتكلما كلاما دون الجهر لأن الإخفاء أدخل في الإخلاص وأقرب إلى جنس التفكر انتهى ، ولما ذكر حالتي الذكر وسببهما وهما التضرّع والخفية ذكر أوقات الذكر فقيل : أراد خصوصية الوقتين لأنهم كانوا يصلون في وقتين قبل فرض الخمس ، وقال قتادة : الغدوّ صلاة الصبح (وَالْآصالِ) : صلاة العصر ، وقيل : خصهما بالذكر لفضلهما ، وقيل : المعنى جميع الأوقات وعبر بالطرفين المشعرين بالليل والنهار والغدوّ ، قيل : جمع غدوة فعلى هذا تظهر المقابلة لاسم جنس بجمع ويكون المراد بالغدوات والعشايا وإن كان مصدر الغداء فالمراد بأوقات الغدوّ حتى يقابل زمان مجموع بزمان مجموع. وقرأ أبو مجلز لا حق بن حميد السدوسي البصري والإيصال جعله مصدرا لقولهم اصلت أي دخلت في وقت الأصيل فيكون قد قابل مصدرا بمصدر ويكون كأعصر أي دخل في العصر وهو العشي وأعتم أي دخل في العتمة ، ولما أمره بالذكر أكد ذلك بالنهي عن أن يكون من الغافلين أي استلزم الذكر ولا تغفل طرفة عين ومعلوم أنه عليهالسلام تستحيل عليه الغفلة لعصمته فهو نهي له صلىاللهعليهوسلم والمراد أمته.