لا يريانها من أنفسهما ولا أحدهما من الآخر ، وقال ابن عباس وقتادة وابن جبير : كان عليهما ظفر كاس فلما أكلا تبلس عنهما فبدت سوآتهما وبقي منه على الأصابع قدر ما يتذكران به المخالفة فيجددان النّدم ، وقال وهب بن منبه : كان عليهما نور يستر عورة كلّ واحد منهما فانقشع بالأكل ذلك النور وقيل كان عليهما نور فنقص وتجسّد منه شيء في أظفار اليدين والرجلين تذكرة لهما ليستغفروا في كلّ وقت وأبناؤهما بعد هما كما جرى لأويس القرني حين أذهب الله عنه البرص إلا لمعة أبقاها ليتذكر نعمه فيشكر. وقال قوم : لم يقصد بالسوأة العورة والمعنى انكشف لهما معايشهما وما يسؤوهما وهذا القول ينبو عنه دلالة اللفظ ويخالف قول الجمهور ، وقيل : أكلت حواء أوّل فلم يصبها شيء ثم آدم فكان البدو.
(وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ) أي جعلا يلصقان ورقة على ورقة ويلصقانهما بعد ما كانت كساهما حلل الجنة ظلا يستتران بالورق كما قيل :
لله درّهم من فتية بكروا |
|
مثل الملوك وراحوا كالمساكين |
والأولى أن يعود الضمير في (عَلَيْهِما) على عورتيهما كأنه قيل (يَخْصِفانِ) على سوآتهما من ورق الجنة ، وعاد بضمير الاثنين لأن الجمع يراد به اثنان ولا يجوز أن يعود الضمير على آدم وحواء لأنه تقرر في علم العربية أنه لا يتعدى فعل الظاهر والمضمر المتصل إلى المضمر المتصل المنصوب لفظا أو محلّا في غير باب ظنّ وفقد وعلم ووجد لا يجوز زيد ضربه ولا ضربه زيد ولا زيد مر به زيد فلو جعلنا الضمير في (عَلَيْهِما) عائدا على آدم وحواء للزم من ذلك تعدّي يخصف إلى الضمير المنصوب محلا وقد رفع الضمير المتصل وهو الألف في يخصفان فإن أخذ ذلك على حذف مضاف مراد جاز ذلك وتقديره يخصفان على بدنيهما ، قال ابن عباس : الورق الذي خصفا منه ورق الزيتون ، وقيل : ورق شجر التين ، وقيل : ورق الموز ولم يثبت تعيينها لا في القرآن ولا في حديث صحيح ، وقرأ أبو السّمال (وَطَفِقا) بفتح الفاء ، وقرأ الزهري (يَخْصِفانِ) من أخصف فيحتمل أن يكون أفعل بمعنى فعل ويحتمل أن تكون الهمزة للتعدية من خصف أن يخصفات أنفسهما ، وقرأ الحسن والأعرج ومجاهد وابن وثاب (يَخْصِفانِ) بفتح الياء وكسر الخاء والصاد وشدّها ، وقرأ الحسن فيما روى عنه محبوب كذلك إلا أنه فتح الخاء ، ورويت عن ابن بريدة وعن يعقوب ، وقرىء (يَخْصِفانِ) بالتشديد من خصف على وزن فعل ، وقرأ عبد الله بن يزيد (يَخْصِفانِ) بضمّ الياء والخاء وتشديد الصاد وكسرها وتقرير هذه القراءات في علم العربية.